باب ذكر قدر الله في كتابه
قال الله عزوجل : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [يس : ٣٨] ، وقال : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) [الواقعة : ٦٠] ، وقال : (وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) [الفجر : ١٦] ، وقال : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) [الأحزاب : ٣٨] ، وإنما أمر بالطاعة ، ولم يأمر بالمعصية وأمره بها قضاؤه وقدره ، والطاعة منسوبة إلى قضائه وقدره ؛ لأنه أمر بها ، والمعصية منسوبة إلى العصاة ؛ لأنهم ارتكبوها بعد ما نهاهم عنها.
وإنما ذكر الله القدر في خلقه وصنعه وتدبيره وأمره ومصالح عباده في دينهم ودنياهم ، ولم يجعله في شتمه والفري عليه ، ولا في قتل أنبيائه وتكذيب رسله ، ولا في شيء مما غضب منه وعابه ، وعاب أهله وعذبهم عليه.
فبهذه الآيات ونحوها علمنا أنه لا يسخط شيئا من تقديره ، ولا يقدر شيئا ثم يغضب منه ويعيبه ويعيب من فعله ؛ لأن الحكيم لا يغضب من تقديره ، ولا يعيب شيئا من تدبيره ، تعالى الله عمّا يقول الجاهلون علوا كبيرا.
باب ذكر الإرادة
ثم ذكر سبحانه الإرادة في كتابه فقال : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [النساء : ٢٦] ، وقال : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٧ ـ ٢٨] ، وقال : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] ، وقال : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) [غافر : ٣١] ، وقال : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ) [التوبة : ٣٢] ، وقال : (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) [النساء : ٦٠] ، وقال : (وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ) [النساء : ٤٤] ، فأخبر تبارك وتعالى أن إرادته الصلاح والرشد واليسر وأنها ليست في الظلم والغشم والكذب والفساد ، فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله إذا أمر بشيء فقد أراده إرادة أمر ، لا إرادة جبر ، وإذا نهى عن شيء لم يرده ، ولم