وأنهم لو استطاعوا لخرجوا ، فقال عزوجل : (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [التوبة : ٤٢].
وكذلك العفريت حين قال لسليمان : (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ) [النمل : ٣٩] ، فلم يكذبه الله ، ولم يرد عليه ، ولا أكذبه سليمان صلى الله عليه. وقال : (فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) [الأعراف : ١٤٥] ، فلو لا أنه أعطاهم القوة على الأخذ لم يأمرهم بذلك. ومثله : (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص : ٢٦] ، فأثبتت له القوة فلم ينكر عليها أبوها ، ولم يكذبها ربها. فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله لا يكلف أحدا من خلقه ما لا يطيق ، وأنه قد قوى عباده على ما أمرهم به من طاعته ، وبتلك القوة التي جعلها فيهم لطاعته يصير من صار منهم إلى معصيته ، وبذلك علمنا أن الاستطاعة قبل الفعل.
باب ذكر الأطفال
وذكر الله في كتابه آيات دل فيها أنه لا يعذب الأطفال والمجانين ولا من ليس له ذنب فقال عزوجل : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] ، والأطفال لم يأتهم رسول ، وكذلك المجانين. وقال : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) [طه : ١٣٤] ، فأخبر أنه لا يعذب أحدا بذنب غيره. وقال : (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) [القصص : ٥٩] ، والأطفال فلم يأتهم رسول ، ولا تلي عليهم كتاب ، وليسوا ظالمين. وقال : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها غافِلُونَ) [الأنعام : ١٣١] ، ولا غفلة أشد من غفلة الأطفال والمجانين.
فإن زعم زاعم أن الله يؤاخذهم بما علم منهم فقد كذب الله في خبره ، وجوره في حكمه ؛ لأنه لو رد أهل النار إلى الدنيا لعادوا كما قال عزوجل ، فلم يؤاخذهم بما علم منهم إذ لم يفعلوه. وقال : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٢٧] ، فقد علم أنه لو بسط لبغوا ، فلم يؤاخذهم بذلك ، فالأطفال أجدر أن لا يؤاخذهم بما لم يكن منهم ، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا.