يحرم نكاحهم ولا موارثتهم وأكل ذبايحهم ، ولا يفرق بينهم وبين نسائهم ، ولا تؤخذ منهم الجزية. فبهذه الآيات ونحوها التي تلونا ، والأحكام التي وصفنا ، والوعيد الذي ذكرنا علمنا أن أصحاب الكبائر ليسوا بكفار ولا مشركين ولا منافقين ، وأنهم ليسوا بأبرار ، ولا فضلاء ، ولا أخيار ، ولا أزكياء ، ولا أطهار ، ولا عدلا ، ومن كان هكذا لم يطلق له اسم الإيمان ، ولا الإسلام ولا اسم الهدى والتقوى والإحسان ، لأنه قد غلب عليهم اسم الفسق والفجور والظلم والعدوان والضلال ، فكانوا أهل منزلة بين منزلتين وهي منزلة الفساق والفجار التي بين منزلة المؤمنين والكافرين في هذه الدنيا ، وفي هذا تكذيب أهل البدع من الخوارج والمرجئة ، فنحمد الله ربنا على الإحسان إلينا.
باب ذكر القيام بالقسط
وذكر الله تبارك وتعالى القيام بالقسط في كتابه فقال : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال : ١] ، وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [النساء : ١٣٥] إلى قوله : (خَبِيراً) ، وقال تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [المائدة : ٢] ، فأمر تبارك وتعالى بإصلاح ذات البين ، والقيام بالقسط في عباده وبلاده ، والتعاون على البر والتقوى ، وترك التعاون على الإثم والعدوان ، وهذا لا يكون كما أمر الله به إلا بمجاهدة الباغين ، ومنعهم من الظلم والعدوان. وقال سبحانه : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) [الكهف : ٥١] ، وقال سبحانه لإبراهيم عليهالسلام : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) [البقرة : ١٢٤] ، فأخبر تبارك وتعالى أنه لا يتخذ الظالمين عضدا ، وكذلك لا يتخذهم أمراء ولا خلفاء ولا قضاة ولا حكاما ، وأخبر أن عهده لا ينال الظالمين. وكذلك لا يجوز لهؤلاء أن يكونوا أئمة للمسلمين وخلفاء لرب العالمين ، وشهادتهم غير مقبوله ، وقولهم غير مصدق. وقال عزوجل : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ