وأنه خلق خلقه لعبادته من غير حاجة إليهم ، ولا منفعة تصل إليه من عبادتهم ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، ولكنه تفضل عليهم بخلقه إياهم. وأنه طوقهم وقواهم ، ثم أمرهم ونهاهم ، فلم يكلف أحدا فوق طاقته ، ولم يعذبه على غير معصيته ، ولم يمنع أحدا ما ينال به طاعته ، وينتهي به عن معصيته ، وينجو به من عذابه ، ويصير به إلى ثوابه ، ولم يفعل بعباده إلا ما فيه رشدهم وصلاح أمرهم ، ولم يعب شيئا من قضائه ، ولم يقض شيئا عابه ، ولم يلم أحدا على شيء من تقديره وتدبيره ، ولم يعذب أحدا على أمر خلقه وأراده ، ولم يرد ما يسخطه ، ولم يغضب مما كوّنه ، ولم يكره شيئا أراده ، ولم يرض الكفر لعباده ، ولم يحب الفساد (١٤٥) ، ولا الجهر بالسوء من القول ، ولم يأمر بما لا يريد ، ولم ينه عمّا يريد.
وأنه أمر بالطاعة ، ونهى عن المعصية ، وأن كل ما أمر به منسوب إليه ، وكلما نهى عنه فغير مضاف إليه ولا منسوب.
وأنه لم يأخذ أحدا على الغرّة ، ولم يعذب إلا بعد قيام الحجة ، فأثاب على طاعته ، وعذب على معصيته ، فلم تزر وازرة وزر أخرى في حكمه ، وأنه ليس للإنسان إلا ما سعى ، وأن سعيه سوف يرى ، ثم يجزاه الجزاء الأوفى.
وأن أكرم الخلق عند الله اتقاهم لله ، وأشرفهم عند الله أكثرهم طاعة له ، وأنه لا ذل ولا صغر في الجنة ، ولا عز ولا شرف في النار.
وأنه صادق الوعد والوعيد في أخباره كلها ، وأنه لا تبديل لكلمات الله ، ولا خلف لوعد الله ، وأنه لا يبدل القول لديه ، وأنه لا يخلف الميعاد ، وأن قوله أصوب الأقاويل ، وأن حديثه أصدق الأحاديث.
وأنه أنزل على محمد كتابا مهيمنا بلسان عربي مبين ، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، أحل فيه الحلال ، وحرم فيه الحرام ، وشرع فيه الشرائع ، ثم قال : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢] ، فدعا محمد الداعي إلى معرفة الله والإقرار بربوبيته ، وإلى خلع كل
__________________
(١٤٥) في (ب) : ولم يحب الفساد لعباده.