للمؤمنين ، فإنما يجوز أن يريد الأفعال ويكرهها ، والإرادة فقد صح أنها من صفات الفعل. وإنما يجب أن لا يجيز هذه الأوصاف على الله عزوجل من لا يثبته مريدا على الحقيقة ، ولا كارها ، فإذا صح أنها من صفات الفعل وجب القضاء بأنه إنما سخط ورضي بعد وجود ما يوجب ذلك ، وذلك لا يجوز إلا بعد التكليف ، وبعد تصرف المكلف بالطاعة والمعصية ؛ لأن جميع ذلك منه تعالى جزاء على الأفعال ، ولا يحسن مجازاة الفاعل قبل إقدامه على الفعل ، وذلك بين ، ومما لا يحتاج فيه إلى إطناب.
فأما ما ذكر عن سليمان بن جرير فإنما أتي من قبل قوله بأنه يقول : إن الله تعالى لم يزل مريدا ؛ ويثبت ذلك من صفات الذات ، فقال ما قاله ، وقد دللنا على بطلان ذلك ببطلان أصله الذي يتعلق به في أن الإرادة من صفات الذات. ومما يبين فساد ذلك أن الساخط إنما يحسن منه أن يسخط على من فعل قبيحا من علمه فاعلا لذلك القبيح ، لا لعمله بأن الفعل المسخط له سيقع ، ألا ترى أن ذلك يقبح فيه قبل وقوع القبيح كما يقبح منا أن تعاقب بالضرب والإيلام من لم يأت ما يستحق ذلك منه ، فإذا ثبت ذلك لم يجز منه تعالى أن يسخط على المؤمن من حيث علمه أنه سيكفر في آخر أمره ، ولو حسن منه ذلك لحسن أن يسخط عليه ويعاقبه ويجرمه (١٥٨) في حال إيمانه لعلمه بما سيقع منه ؛ لأنه بعلمه عاقبه لا بفعله ؛ لأنه لم يقع منه فعل يوجب عقابه ، لكن بعلمه عاقبته (١٥٩) ، ولو حسن ذلك منه لحسن أن يعاقبه وأن يقدره على الطاعة ، ولحسن أيضا أن يعاقبه مع أنه المانع له من الطاعة ، وفساد ذلك ظاهر ، وهذه طريقة ما سلكها أحد من
__________________
(١٥٨) في (أ) : ويجترمه.
(١٥٩) أي : بعلم الله لعاقبته.