لعسى موضع الحلقة من الأرض؟ أليس كأنما وراء الحلقة من أقطار الأرض إلى تخومها وجبالها وأشجارها وأنهارها وما فوقها وتحتها أوسع وأعظم وأرحب مما وسعت الحلقة منها ، وكانت الحلقة أصغر شيء منها ، وكان القليل الحقير الصغير اليسير ما قد وسعه الله ، وأحاط به ، وهو يخبر سبحانه أنه هو الذي وسعهما ، وأحاط بهما ، حتى صارتا بعظمهما وكبرهما في إحاطة علمه كالحلقة الملقاة في الأرض.
ومعنى قولي : في إحاطة علمه أي في إحاطته بنفسه ؛ لأنه لا علم له غيره ، فالله عزوجل قد أحاط بالسماوات والأرض كإحاطة الأرض بالحلقة الملقاة في جوفها ، وهاهنا والله تاهت العقول ، وضلت الأحلام ، وانقطعت الفكر في الله عزوجل.
وفي كتاب الله تصديق هذا الحديث عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قول الله عزوجل : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥] ، يخبر أنه هو الذي وسع السموات والأرض ، وأنهما لم تسعاه ، ولم تحوياه ، ولم تمسكاه ، ولم تحفظاه ، بل كان هو عزوجل المحيط بهما ، والواسع لهما ، والممسك لهما ، والحافظ لهما ، وذلك قوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) [فاطر : ٤١] ، يخبر عزوجل أنه يمسك السماء بعظمها في الهواء ، ويمسك السموات السبع أيضا ، وكل سماء منهن أعظم وأوسع مما دونها ، وكذلك الأرضون السبع ، كل أرض أوسع مما فوقها ، لأن السماء العليا مشتملة على السماء السفلى ، وكذلك الأرضون والسموات السبع معلقات في الهواء ، لا يرفدهن شيء ، ولا يمسكهن إلا الله عزوجل ، وكذلك الأرضون فكل ذلك في الهواء لا يمسكه إلا الله عزوجل ، وليس من وراء هذا شيء يمسك الله هو أصغر وأحقر وأضعف ، والله أوسع منه وأعظم.
والدليل على أن الله أوسع من السموات والأرض قوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥] ، فأخبر أن السموات والأرض داخلتان في كرسيه ، يريد سبحانه أنهما داخلتان في قبضته ، وأنهما أصغر صغير وأحقر حقير عنده ؛ إذ كان الممسك لهما في الهواء ، ولو لا إمساك الله لهما لسقطت السموات والأرض ، وما إمساك الله للسماء في مستقرها بعظمها وجسمها ورحبها ، إلا كإمساك الطير في جو السماء لا فرق بينهما عند الله عزوجل إلا بزيادة الخلق وسعة السماء ، والسماء والطير في ضعفهما وصغرهما