كان ظاهرا على كل عرش وغيره ، والله من وراء ذلك العرش محيط ، كما قال الله عزوجل : (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) [البروج : ٢٠] ، فالله عزوجل من وراء كل عرش وغيره محيط ، وظاهر على كل شيء.
معنى قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥] وقوله تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [هود : ٧].
فإن قال قائل : فإذا قلتم : إن العرش هو الله ؛ فما معنى قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥] ، وقوله : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [هود : ٧].
قلنا له : إنما قلنا : إن العرش هو الله إذ كان العرش اسما يدل على الله ؛ لأن العرش من صفات الملك ، وليس هو عرش مخلوق ، إنما هو اسم من أسماء الملك يدل على ملك الله. ومعنى يدل على ملك الله أنه يدل على الله ، إذ هو الملك بنفسه ، فكان في المعنى عندنا سواء أن يقول القائل : لا ملك إلا ملك الله ، أو يقول : لا عرش إلا عرش الله ؛ فلذلك قلنا : إن العرش متصل بالله ، كاتصال الكف بساعدها ، لأنه في غاية المعنى أن العرش علو الله على جميع الأشياء بنفسه.
وإنما مثل الله علوه على جميع الأشياء وإحاطته بها كعلو الملك على سريره إذا استوى عليه ، واستعلى فوقه في المثل لا غيره ، وليس في الشبه والصفة إلا في المثل ، والعرش الذي ذكره الله عزوجل هو مثل ضربه الله في استوائه على ملكه ، وإنما تفسير هذا المثل الذي ضربه الله لعباده في العرش والكرسي أن الملك من ملوك الدنيا إذا قعد على كرسيه وعلى سريره استعلى فوقه ، والعرش فهو السرير ، فمثل الله عرشه وكرسيه بهذا العرش وهذا الكرسي ، فكان كرسي الملك من الملوك كرسيا ضعيفا صغيرا ، والذي استوى فوقه أضعف منه وأحقر منه ، وكذلك العرش أيضا فهو في الضعف والصغر كمثل الكرسي وسواء الكرسي والعرش ، كلاهما مقعد للملك يقعد عليه ، ويستوي فوقه.
وكرسي الله عزوجل فقد وسع السموات والأرض حتى صار من عظم سعته السماء والأرض في كرسيه كالحلقة الملقاة في الأرض ، وصار الكرسي محيطا بهما كإحاطة الأرض