حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢].
ثم نقول من بعد الحمد لله والثناء عليه ، والصلاة على محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أما بعد :
فإن القدرية المجبرة الغاوية الضالة المضلة ، زعمت أنها إنما أتيت في ارتكاب سيئاتها ، وفعل كبائر عصيانها من ربها لا من أنفسها ، تبارك ربنا عن ذلك وتعالى علوا كبيرا.
ثم قالوا إنه سبحانه أدخلها بقضائه عليها في كبائر ذنوبها ، جبرها على ذلك جبرا ، وأدخلها فيه قسرا ، ليعذبها على قضائه إشقاء منه لها بذلك ، تعالى ربنا أن يكون كذلك ، ولعنة الله على أولئك.
فرأينا عند ما قالت وذكرت ، وبه على الله من عظيم القول اجترأت ، أن نضع كتابا نذكر فيه بعض ما ذكر الله في منزل الفرقان مما نزله على محمد خاتم النبيين في الكتاب من إكذاب القدرية المجبرين.
فكان أول ما نقول لهم من ذلك ، ونسألهم عنه ، أن نقول لهم خبرونا عن قول الله تبارك وتعالى فيما حكى عن الفاسقين الظلمة المنافقين الفجرة المتخلفين عن الجهاد مع رسول الله رب العالمين : (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [التوبة : ٤٢] ، فقلنا للقدرية : أتزعمون أنهم حين تخلفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا مستطيعين للخروج معه ، أو غير مستطيعين له؟ فإن قالوا : إنهم كانوا مستطيعين له ، وإنهم تركوه عنوة واجتراء على ذي الجلال والطول ، واطراحا لقول الله وقول رسوله صلىاللهعليهوآله ؛ تركوا قولهم الذي كانوا يقولون به من أنه لا يستطيع أحد فعل شيء حتى يقضي الله عليه به ، ويدخله الله سبحانه فيه. وإن قالوا : إن المتخلفين عن الخروج مع الرسول لم يكونوا بمستطيعين للخروج معه ، وإنهم كانوا غير مستطيعين الجهاد ؛ فقد قالوا كما قال المتخلفون ، وصدقوا قول المنافقين ، وأكذبوا قول رب العالمين ؛ لأن الله سبحانه قد أكذبهم ، وشهد بخلاف ما قالوا من قولهم ، حين يقول : (وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [التوبة : ١٠٧] ؛ قالت المجبرة : هم صادقون لا يستطيعون ، ولو استطاعوا لخرجوا ، وقال الله سبحانه : هم الكاذبون فيما يقولون وشهد أنهم للخروج مستطيعون ، وأنهم لو أرادوا الخروج لخرجوا ، ولذلك أكذبهم الله في قولهم ؛ لأن الله تبارك