الشيطان برئ من ذلك ، وأنه لم يسول لهم منه شيئا؟
فإن قالوا : نعم ؛ فقد كذبوا الله ، وخرجوا بذلك من الدين. وإن قالوا : بل هو كما قال سبحانه من الشيطان لا من الرحمن ؛ فقد صدقوا ورجعوا إلى الحق ، وقالوا بالعدل ، وأقروا بأن الارتداد من المرتدين ، بتسويل الشيطان لهم ، لا بقضاء الله بذلك عليهم ؛ لأن الله لا يقضي بالارتداد ، ولا غير ما أمر به من اتباع دينه ، والائتمار بأمره ، والانتهاء عن نهيه.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم : خبرونا عن قول الله سبحانه : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران : ١٦٥] ، أتزعمون أنه من عند أنفسهم كما قال الله ، أم هو قضاء من عند الله قضاه عليهم؟ فإن قالوا : إن ذلك من أنفسهم ؛ قالوا بالحق ، وتعلقوا بالصدق. وإن قالوا : هو من عند الله وهو قضاؤه ؛ قيل لهم : أفقولكم أصدق ، أم قول الله سبحانه؟ فإن قالوا : قول الله صدقوا وأسلموا ؛ وإن قالوا : قولنا ؛ كفروا ؛ لأن المصيبة لم تكن إلا بمخالفتهم لقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين أمرهم أن لا يبرحوا من باب الشعب ، فخالفوا ورجعوا ، فوجد الكافرون السبيل إلى دخول الشعب ، فدخلوا فأصابوا ما أصابوا ووقعت المصيبة. فكانت منهم بمخالفتهم لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وزوالهم من موافقهم التي أوقفهم لانتظار أمره.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم : خبرونا عن قول الله سبحانه فيما حكى عن نبيئه يوسف صلى الله عليه من قوله : (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) [يوسف : ١٠٠] ، أتقولون إن الشيطان نزغ بينهم كما قال الله؟ أم تقولون إن الله الذي نزغ بينهم وأدخلهم فيما فعلوا بنبيه صلى الله عليه وقضى به عليهم فلم يجدوا منه بدا؟ فإن قالوا : إن الشيطان الذي نزغ كما قال الله سبحانه وذكر يوسف ؛ صدقوا ، ورجعوا إلى الحق من بعد الباطل ، وخرجوا من الجبر إلى العدل. وإن قالوا : بل الله الذي نزغ بينهم بقضائه بذلك عليهم ؛ كذبوا قول يوسف في الشيطان ، وردوا الذنب على الرحمن ، وقالوا على الله بخلاف قوله في نفسه وقول نبيئه فيه. فهل يقول بإكذاب الله سبحانه وإكذاب نبيه يوسف ، وتصديق المجبرة من دون الله مؤمن يؤمن بالله أو يعرفه؟!
ومما يسألون عنه من كتاب الله سبحانه أن يقال لهم : خبرونا عن قول الله جل جلاله