دون من ذكروا من الجن والإنس كفروا وخالفوا قول الله.
ومما يسألون عنه قول الله سبحانه : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [آل عمران : ٧١] ، فيقال لهم : خبرونا من لبس الحق بالباطل ، وخلط عليهم أمرهم ، وأخرجهم من هداهم ورشدهم ، أنفسهم أم الله؟ فقد نجد الله جل جلاله يقول : ويذكر أن ذلك منهم ، فما قولكم أنتم؟ فإن قالوا : هو من الكفار وليس هو من الله ؛ فقد أصابوا ورجعوا إلى الحق. وإن قالوا : هو من الله بقضاء وقدر ، ولو لا القضاء والقدر لم يدخلوا في ذلك ، ولم يلبسوا الحق بالباطل ؛ فقد كذبوا قول الله ، وصدقوا قول الجاهلية ، وهذا هو الشرك بالله ، بل قول الله الحق المصدّق ، وقولهم الكذب المكذّب.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم : خبرونا عن قول آدم صلى الله عليه : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) ، أفتقولون : إن آدم الذي ظلم نفسه بالخطيئة ، وأساء إليها بإدخالها في المعصية ، كما قال صلى الله عليه؟ أم تقولون إن الله أدخله في المعصية ، وأخرجه بالقضاء من الطاعة وظلمه بذلك ، وإن آدم وحوى لم يظلما أنفسهما؟ فإن قالوا : بل الله الذي أدخلهما في المعصية بقضائه عليهما ؛ فقد كذبوا قول آدم وما حكى الله عنه ، وفي ذلك الأمر العظيم والجرأة على الله عزوجل وعلى آدم صلى الله عليه. وإن قالوا : بل صدق آدم ، فقد رجعوا إلى العدل ، وتركوا القول بالجبر وأسلموا.
ومما يسألون عنه قول الله سبحانه : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٧] ، يريد : آثروا الضلال والغي والهوى على ما إليه دعوا ، وبه أمروا من الهدى. أفتقولون : إنه كما قال الله ، وإنهم آثروا العمى على ما إليه دعوا من الهدى؟ أم تقولون : إنهم لم يستحبوا ، ولم يؤثروا العمى على الهدى ، وإنهم أدخلوا في الهوى ، وأخرجوا من الهدى بالقضاء من الله الغالب لكل أحد الذي لا غالب له؟ فإن قالوا : بل هم الذين استحبوه ، ودخلوا في الهوى من أنفسهم ، وخرجوا من الهدى ، فقد آمنوا وقالوا بقول الله في ثمود. وإن قالوا : بل الله أخرجهم من الهدى ، وأدخلهم في الهوى ، فقد كذبوا قول الله ، وكفروا به وضلوا ضلالا بعيدا.
وممّا يسألون عنه قول الله سبحانه : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) [النجم : ٢٣] ، فأخبر سبحانه أن الهدى من الله ، وزعمت القدرية أن الضلال بأمر الله ، وإذا ثبت ذلك فالهدى