به ـ يا بني ـ حتى يصح لك فساد أمرهم ، وقبيح لفظهم بما فيه المنفعة والشفاء والبرهان ، والاكتفاء من كتاب الله الفصيح وبما يصح عند كل ذي لب صحيح.
مزاعم المجبرة
زعم أهل الجهل أن الله سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء ـ فكذلك الله عزوجل ـ وتأولوا ذلك بجهلهم على أقبح التأويل وأسمج المعاني ، ولم يعلموا ما أراد الله سبحانه من ذلك ، ولو ميزوا ما قبل هذه الآيات وما بعدها ، لتبيّن لهم الحق ووضح.
فأما ما قال الله سبحانه مخبرا عن قدرته : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [النحل : ٩٣] ، ولم يقل أضللت ولا هديت في هذا الموضع ؛ لأنه ذكر الضلال والتثبيت منه في موضع آخر ، فانظر كيف ذكر ذلك ، وكيف قال ومن فعله ، فقال سبحانه : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) [إبراهيم : ٢٧] ، كل هذا التثبيت والضلال لم يكن إلا مادة وزيادة للمؤمنين ، وحربا ونقمة للظالمين ، ألا ترى كيف يقول : (الَّذِينَ آمَنُوا) ولم يقل : الذين ظلموا ؛ غير أنه لم يثبت إلا المؤمنين والمستحقين اسم الإيمان بعملهم ، ولم يضل إلا الظالمين المستوجبين اسم الضلالة بفعلهم.
ويخبر سبحانه عن قدرته في خلقه ، وأنه أراد هدى المؤمنين وثبتهم ، وأنه لا يغلبه شيء من جميع الأشياء إذا أراده من جهة الجبر والقسر لأهله ؛ لكن الله سبحانه أخبر عن قدرته في خلقه ، وأنه لو أراد أن يضلهم أو يهديهم جميعا لكان ذلك غير غالب له ، غير أنه لم يرد ذلك ، إلا من جهة التخيير منهم والاختيار لعبادته والرغبة فيما رغبهم فيه والوقوف عما حذرهم منه ، وليخبر الجهال أن ما كان من العباد من الضلال والعمى لو أراد أن لا يكون لأمكنه ذلك ، وأن قدرته تبلغ كل شيء.
وإنما قوله : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) خبرا عن نفسه ، وإثباتا له القدرة على كل شيء ، لكي لا يظن جاهل أن الله عاجز عن أن يمنع الضلال من الضلالة ؛ لأن في الناس متجاهلين كثيرا ، ألا ترى إلى قوله سبحانه ، يحكي عن الجهال إذ قالوا : (إِنَّ اللهَ