فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) [آل عمران : ١٨١] ، فأراد سبحانه أن يثبت الحجة لنفسه على الجهال الذين يقولون مثل هذه المقالة فيه.
واحتجوا أيضا بقول الله سبحانه : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [يونس : ١٠٠] ، فصدق الله عزوجل ، لو لا أنه أذن بالإيمان وخلّى بينهم وبينه ، ما عرفوه ، ولا دلهم عليه ، ولا أمرهم به ، ولا أرسل إليهم المرسلين حتى بينوا لهم فضله وشريف منزلته ، فأي إذن أكبر أو فعل أخطر مما فعل الله بهم ، ألا ترى إلى قوله : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) [الزمر : ٥٤].
واحتجوا أيضا بقوله عزوجل ذكره : (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ٣٣] ، فصدق الله العظيم ، لقد علم منهم أنهم لا يؤمنون اختيارا منهم ومحبة للفسق ، ولو أنهم كانوا عنده مطيعين لا (١٧٢) مستحقين للفسق ما سماهم به ، وإنما حقت كلمته عليهم بعد فسقهم وصدهم عن أمره ونهيه ، وبعد الكفر منهم ، لا الابتداء منه لهم ، ألا ترى إلى قوله : (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) ، ولم يقل سبحانه : على الذين آمنوا ؛ ولا : على المسلمين ؛ وإنما معنى : (حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) ، أي وجب عليهم حكمه ووعيده ، وقوله : (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) اختيارا منهم للكفر ومحبة له ، وأنه قد حكم عليهم بالفسق لما فسقوا وخالفوا عن أمره ونهيه.
وأما قوله : (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة : ٢٠٨] ، يعني بكافة : جميعا ، فإذا كان أمره للجميع فكيف يدخل قوم في السلم قد أدخلهم فيه؟ وكيف يأمر قوما بالدخول فيه ، وقد منعهم؟ هذا فعل متلعب عباث ، لا ينفذ له أمر في شيء مما يأمر به ، ولا مما يريده ، فتعالى الله عن ذلك أحكم الحاكمين.
ثم احتجوا بقوله سبحانه : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) ، وجهلوا ما قبل ذلك من قوله : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) [الجاثية : ٢٣] ، فصدق الله عزوجل ؛ لم
__________________
(١٧٢) في الأصل : بل.