وفرحها وحزنها ، وكثرة المال ونقصانه ، وزكاة (١٧٣) ثماره ، ولو كان مراده عزوجل بهذا القول الكفر والإيمان لم يقل : لا تأسوا على الإيمان إن فاتكم ولا تسروا به إن نلتموه ، ولا تفرحوا بفوات الكفر لكم! فأي سرور يسر العبد إذا لم يسره الإيمان؟ وأي فرح أعظم منه على العبد وأحلى من فوات الكفر له وتخلصه منه؟ والحجة في هذا نفسه قول من قال بما ذكرناه ، ولم يقل : الذين إذا أصابهم الإيمان والكفر فقالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون. فبهذا علمنا أن المعنى هو ما ذكرنا من محن الدنيا وآفاتها ، ولو كان على ما تأوله الجاهلون ما سمي مصيبة ، ولا أمرهم بالصبر عليه للعلة التي شرحت لك ، كيف يجوز أن يأمرهم بالصبر على الكفر ويبشرهم بالثواب؟! هذا أحول المحال.
واحتجوا أيضا بقوله : (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] ، فصدق الله ، لو لا أنه يشاء لهم التعريف بالإيمان والكفر ، ودلهم على ما عرفوه فعرفهم به ، وأرسل إليهم المرسلين وحضهم على اتباعهم ، ما عرفوا الإيمان من الكفر ، والرضى من السخط ، ثم قال في ذلك : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٦] ، فهذه إرادة الله ومشيئته في خلقه ، لا ما قال به الجاهلون.
ومما احتجوا به أيضا : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) ، فتأولوا ذلك على أحكم الحاكمين بأقبح التأويل ، ولعمري لو نظروا ما في الآية من قبل هذا الكلام لأسفر لهم الأمر ولعرفوه. ألا ترى كيف يقول سبحانه : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [هود : ١٠٥] ، يخبر عز ذكره أن ذلك الشقاء والسعادة إنما تكون في ذلك اليوم يعني يوم القيامة لا أيام الدنيا ، ولعمري أن يوم القيامة ليوم التغابن والحسرة والندامة ، فمنهم ذلك اليوم شقي وسعيد ؛ شقي قد شقي بعمله وبما وقع عليه من حكم الله له بالعذاب ، وسعيد قد سعد في ذلك اليوم بعمله وبما قد حكم الله له به من الثواب. والشقي أشقى الأشقياء من شقي في ذلك اليوم ، والسعيد أسعد السعداء من سعد في ذلك اليوم. وإنما أخبر الله سبحانه عن
__________________
(١٧٣) أي نموها وزيادتها.