شقائهم وسعادتهم في ذلك اليوم ، لا في الدنيا ، ألا ترى كيف يقول : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) [هود : ١٠٣] ، يعني يوم القيامة ، ولو كان الأمر على ما ظنوا لكانت المخاطبة عند أهل اللسان والمعرفة على غير هذا اللفظ ، وكان اسم الشقاء والسعادة قد انتظمهم قبل ذلك اليوم ، وكانوا مستغنين عن إرسال الرسل إليهم ، وإنزال الكتب عليهم ، ولم يكن لله سبحانه عليهم حجة إذ كان المشقى لبعض والمسعد لبعض ، والمدخل لأهل الشقاء في المعصية ، ولأهل السعادة في الطاعة. هذا أقبح ما نسب إلى الله وقيل به فيه ، فنعوذ بالله من الضلالة والعمى ، ونسأله الرشد والهدى.
ومما يحتجون به أيضا ، قول الله سبحانه : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [السجدة : ١٣] ، يقول : بفعلهم وعملهم حق عليهم قولي وثبتت عليهم حجتي ووقع بهم العذاب ؛ لأن قولي وحكمي بالعذاب قد سبق مني على من عصاني ، ثم قال : (فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [السجدة : ١٤] ، فصدق الله عزوجل ، لو شاء أن يهديهم جميعا من جهة الجبر لهم لفعله ولم يغلبه ذلك ، ولكن لم يشأه سبحانه إلا بالتخيير والاختيار ؛ لأنه لو جبرهم على ذلك وأدخلهم فيه غصبا كان المستوجب للثواب دونهم. ألا ترى إلى قوله في آخر الآية متبرئا من فعلهم : (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، ولم يقل : بمشيئتي لكم ، ولا : بقضائي عليكم ، ولا بإرادتي فيكم ، ولا : بإدخالي لكم في القبيح من الفعل. فافهم ، وفقك الله ، ما شرحت لك.
والنسيان من الله ، هو : الترك لهم والإمهال ، تقول العرب : نسيت الشيء ونسأته أي : تركته ولم أفعله.
ومما يحتجون به أيضا قول الله سبحانه : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩] ، فصدق الله ، لو شاء ذلك لأمكنه أن يكرههم على الإيمان إن شاءوا أو أبوا ، ولم يكن ذلك بغالب له ، ولا ما هو أعظم منه ؛ إذ كان ذلك معجزا وغالبا لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لا يقدر على ذلك منهم ، ولا يمكنه فيهم ، فأخبر الله سبحانه أن ما لا تقدر عليه لو أراده هو من جهة الجبر والإكراه ، لأمكنه ، ولكنه لم يرده إلا من جهة التخيير منهم والاختيار والرغبة لما استوجبوا