عليهم الذي ابتدأهم به ، وإن يشكروا أي يطيعوا فيعملوا بطاعته يرضى ذلك الفعل منهم ويثيبهم عليه.
ثم قال أيضا : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) [فصلت : ١٧] ، يخبر عز ذكره ، ويبين أن الذنوب من العباد بالاختيار والاستحباب منهم ، وأنه قد هداهم فاستحبوا الكفر وآثروه على ما فعل بهم من الهدى ، ثم قال : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) [الأعلى : ٣] ، أي ابتدأ الخلق بما ذكرنا من الدلالة لهم على الخير والهدى.
ثم قال عزوجل لنبيه عليهالسلام متبرئا من الضلالة مسندا لها إليهم : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) [سبأ : ٥٠] ، معنى ذلك : إن ضللت فإنما أضل من نفسي ، (على) تقوم مقام (من) ؛ لأن حروف الصفات يخلف بعضها بعضا ، وهذا كثير في أشعار العرب ، قال الشاعر :
شربن بماء البحر ثم ترفعت |
|
لدى لجج خضر لهن نئيج |
يريد : من لجج ؛ فجعل مكانها : (لدى) ، وكذلك حروف الصفات يخلف بعضها بعضا. أفترى محمدا يضل من نفسه ويهتدي من الله ، وهذا الخلق يضلون من عند الله؟ معاذ الله!! كيف ننسب هذا الفعل القبيح والاسم إلى الله ، والظلم ونبرئ منه أنفسنا ، والله عزوجل يقول : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأعراف : ١٨٠].
ثم قال عزوجل (١٧٥) : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) [الأعراف : ٢٨].
وقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٢٣] ، ولم يقل : وقضى ربك أن تكفروا به وتعبدوا سواه من الحجارة والنار وغيرهما من المعبودات ، فكان أمره وقضاؤه ومشيئته أن لا يعبدوا غيره ، بالتخيير من العباد لا من جهة الجبر لهم على تركها ، فقال : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً) [الإسراء :
__________________
(١٧٥) في (ب) : عز ذكره.