من القوة والاستطاعة ما مكّنهم به من الإيمان والكفر ، ورغّبهم وحذّرهم ومكنهم وفوضهم ، ثم قال حينئذ : من شاء الكفر فقد جعلت السبيل إليه ، ومن شاء الإيمان ، فقد جعلت له الطريق. ثم أعلمهم أن الكفر ظلم لأنفسهم ، وأنه قد أعد للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ، زيادة لهم في الوعيد على معاصيه ، ثم قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) [الكهف : ٣٠] ، فأخبر أنه لا يضيع أجرهم إذا عملوا حسنا ، ترغيبا منه لهم بالوعد على طاعته ، وترك معصيته ، ولو كان قضاه عليهم ، ما قال : عملوا ؛ لأنهم مجبرون على ذلك الحسن ، ومن جبر على شيء فغير محمود فيه ، ولو كان ذلك كذلك لم يقل : (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) ، كيف يكونون أحسنوا عملا ، وهو المحسن بهم والحاتم عليهم ، ثم ما أقبح ما أسند أهل هذا القول إلى الله سبحانه.
ثم قال : (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور : ٢١] ، فأخبر سبحانه أن الفحشاء والمنكر من الشيطان ، وتبرأ منهما ونسبهما إلى غيره ، ووعد من اتبعه العذاب ، فالله يبرئ نفسه من كل ظلم وفحشاء ومنكر وباطل وإضلال ، والجاهلون يلزمونه ذلك.
وقال : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) [الفرقان : ٤٣] ، كل هذا يخبر عنهم بالقدرة على المعصية والفعل لها ، وأن ذلك ليس منه ولا أراده ؛ لأنه أكرم من أن ينهى عن شيء وهو يريده ، أو يأمر بشيء وهو يريد غيره ، أو يحمل العباد عليه. وكل ما نهى الله عنه فليس منه ، وكيف يكون منه ما نهى عنه؟ هذه صفة اللّعابين ، تعالى الله عنها علوا كبيرا.
وقال مخبرا ومخيّرا : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل : ٨٩ ـ ٩٠] ، فأخبر سبحانه أنه يجزيهم بفعلهم في الحسنة والسيئة ، لا بفعله بهم وقضائه عليهم ، وأن ذلك منهم وفيهم ، ألا ترى كيف يقول : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)؟ أي لم