يظلمكم ولم يجزكم إلا بعملكم لا بغيره ، توفيقا (١٧٦) منه لهم ، وتبريا من الظلم إليهم. فلو كان قضى ذلك عليهم لما كانت عليهم حجة ولا تبرأ سبحانه من فعله ونسبه إليهم ، إذ كان ذلك أكبر الظلم لهم ، تبرأ الله عن ذلك ، ولم ينزهوه عنه ، فقد ظلموا أنفسهم.
ثم قال أيضا : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [القصص : ٨٤] ، وهذا أيضا القول فيه كالقول في الذي قبله.
ثم قال : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [العنكبوت : ٤] ، يقول : أم حسب الذين يعملون المعاصي أنهم يغلبون ويسبقون إلى العمل بها ، ولو شئنا ما سبقونا إليها ولا فاتونا بها ، فكل هذا يعلم أنه بريء من أفعال العباد ، وأنها منهم بغير أمر له إلا بما فوض إليهم ، ومكّنهم وخيّرهم.
ثم قال لا شريك له : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [العنكبوت : ٦]. وقال : (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ، وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) [الروم : ٤٤] ، فانظر كيف تبرأ في جميع الحالات من أعمال العباد ، يخبر أنها منهم لا منه ، وأنه يجزيهم بفعلهم وعملهم ، لا بقضائه ولا بفعله ، ولا شيء كان منه مدخلا لهم في شيء من هذه الأعمال.
وقال في قصة لقمان صلى الله عليه : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] ، أفترى الله سبحانه استعظم الشرك وهو منه ، وقد قضاه وقدره وحتم به على فاعليه ، واستعظمه منهم وهو قضاه عليهم ، وحتمه في رقابهم ، وأدخلهم فيه ، يا سبحان الله!! ما أقبح هذا من القول والصفة في بني آدم ، فكيف في الحكم العدل؟
وقال : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر : ٣٧] ، أفتراه لم يجعل فيهم مقدرة على التقدم ولا على التأخر ، وهو يقول : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ).
ثم قال : (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) [محمد : ٣١] ، وقال : (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [يونس : ١٤] ، فلو
__________________
(١٧٦) هكذا في الأصل ، ولعلها : توقيفا.