وقال سبحانه : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) [فصلت : ٢٩] ، أفترى الله سبحانه أراد بهذا القول نفسه أن كان في قولهم هو المضل لعباده؟ سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون علوا كبيرا. ما أفحش ما يسندون إلى الله!!
ألا ترى إلى ما يقول آدم عليهالسلام ، عند ما كان منه : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) [الأعراف : ٢٣] ، أفترى آدم عليهالسلام استغفر ربه من قضائه عليه وقدره وحتمه لمعصيته عليه أم من ذنب عمله هو من نفسه ، والله بريء منه؟ أو ترى أن الله نهاه عن أكل الشجرة ، وقد قضى عليه أكلها وحتمه في رقبته. ولو كان ذلك كذلك ما أقر عليهالسلام على نفسه بالخطيئة ، ولقال : هذا قضاؤك علي ومشيئتك ، وإنما أخطأت وأكلت من الشجرة ، ولو لا قضاؤك ومشيئتك ما قدرت على أكلها ، فلعلمه بالله أقر صلى الله عليه أن الخطيئة كانت منه ، وبرأ ربه منها ، تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا كبيرا. وكذلك قال موسى عليهالسلام لما وكز الرجل فقضى عليه ، فقال موسى عند ذلك : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) [القصص : ١٥] ، ولم يقل : هذا من قضاء الله علي ، ولا من تقديره في ، ولا من إضلاله لي ، فبرأ سبحانه من ذلك ، ونسبه إلى الشيطان وإلى نفسه ، فقال : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) [القصص : ١٦]. فهذا قول أنبياء الله يلزمون أنفسهم الخطايا ، ويبرءون من ذلك خالقهم ، والجهال يبرءون أنفسهم من ذلك ويلزمون الذنوب خالقهم.
وانظر إلى قول الله سبحانه : (حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [الزخرف : ٣٨] ، أفترى الله سبحانه يعني نفسه بذلك أم يعني مجترم الذنب؟ تعالى الله من أن يضل أحدا أو يكون له أحد قرينا.
ثم أخبر عن كفرهم وقولهم الكذب على الله ، وأنه غير راض بذلك ، فقال : (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الصافات : ١٥١ ـ ١٥٢] ، أفترى الله أمرهم بالكذب عليه وقضاه عليهم ثم تبرأ من شيء هو فعله ، ورمي به غيره سبحانه؟ ألا ترى كيف يقول عزوجل : (ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) [النساء : ١١٢] ، أفترى الله عزوجل بهتهم بما لم يفعلوا ، وظلمهم بما لم يعملوا ، ووصف نفسه باحتمال البهتان والإثم