أنه المضل لهم والمدخل لهم فيما دخلوا فيه من خير وشر ، فكيف وقد تبرأ في آخر الآية ، فقال : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) ، ولم يقل سبحانه : لا تخاصموني ولا تحتجوا عليّ ؛ لأنهم لم ينسبوا إليه شيئا من الظلم ولا من الضلال لهم ، ولا من إدخالهم في شيء مما نهاهم عنه ، وإنما نسب ذلك بعضهم إلى بعض. ولو نسبوا إليه كانت الخصومة معه لا مع غيره ، وكانت الحجة لهم ، والقول عليه ؛ ألا ترى إلى قول المذنب الذي جعل مع الله إلها آخر كيف يلزم الذنب غير ربه؟ وكيف لم يقل : أمرني ربي أن أجعل معه إلها غيره؟ ثم قال : (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) ، أفترى أن هذه الصفات القبيح وصف الله بها نفسه؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا!!
ثم قال سبحانه : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) ، أفترى الله سبحانه (١٧٧) أراد بذكر الشركاء غيره من المغوين أم نفسه بهذا التزيين؟ فإن كان شركاؤهم هم غيره ، فقد برأ نفسه سبحانه أن يضل ويزين شيئا (من المعاصي لأهلها ، وإن كان هو الشركاء فقد عنى إذا نفسه) (١٧٨) بهذا القول ، وهذا غير معروف في اللغة ، يذكر غيره ويخاطبه وهو يريد بالذكر نفسه ، هذا محال في القول لا يقبله العقل.
وانظر إلى قوله فيما يحكيه عن الهدهد ، فقال : (وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) [النمل : ٢٤] ، ولم يقل زيّن الله لهم السجود للشمس ، ولا أنه صدهم عن السبيل.
وكل نبي أو غيره ممن عقل يبرئ الله سبحانه من الذنوب ويستغفره منها ، ويسند الخطأ فيها إلى نفسه ، ألا ترى إلى قوله سبحانه لموسى صلى الله عليه : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى فَأَراهُ الْآيَةَ الْكُبْرى فَكَذَّبَ وَعَصى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى فَحَشَرَ فَنادى فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ
__________________
(١٧٧) ساقط من (أ).
(١٧٨) ساقط من (أ).