من فعله ، كذلك كل فاعل قبيح يتوب منه ويستغفر ربه من فعله ، ولا يستغفر ربه من فعل غيره ، ولا يلزم الله من فعل غيره شيئا.
وانظر إلى قوله عزوجل لنبيه عليهالسلام : (وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) [النساء : ١٠٥] ، أفترى الله سبحانه نهى نبيه عليهالسلام عن شيء هو يريده وقد قضى عليه فعله ، وأمر نبيه بترك شيء لا يقدر على تركه؟ لو كان ذلك كذلك ما نهاه عنه ، لعلمه أنه لا يقدر على تركه. وكثير في كتاب الله عزوجل مما نهى عنه أنبياءه وعابه عليهم وعاتبهم عليه ، أفترى الله سبحانه عاب ذلك عليهم ، وكرهه من أفعالهم ، وهم لا يجدون إلى الخروج سبيلا؟ أو عاتبهم عليه وهو يعلم (١٨٠) أنهم يطيقون رفضه والخروج منه ؛ فكذلك عاتبهم عليه وذمه من أفعالهم.
وانظر إلى ما يقول لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم : (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) [الشعراء : ٢١٣] ، أفتراه نهاه عن شيء يقدر عليه ، أو عما لا يقدر عليه؟ فإن كان نهاه عن شيء يقدر على تركه فالحجة لله سبحانه قائمة على خلقه. وإن كان نهاه عن شيء لا يقدر عليه فليس لله على خلقه حجة ، إذ كانت حاله كحالة من يدعى إلى ما لا يطيق ، وكلّف ما لا يقدر عليه ، وعذّب بذلك مظلوما. وكيف يكون ذلك كذلك والله سبحانه يقول : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) [النساء : ٢٩] ، فأين الرحمة ممن كلفهم ما لا يطيقون ، وافترض عليهم ما لا يقدرون على تأديته ، لمنعه لهم منه ، وحجزه إياهم عنه؟ كذب من قال على الله بهذا القول وخاب في الدنيا والآخرة.
ألا ترى كيف يخبر عن تمكينه لعباده وتخييره لهم وعن تخيره لهم ، وعن الاستطاعة والقدرة التي مكنهم بها من العمل للطاعة والمعصية ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [المائدة : ٦٥] ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) [المائدة : ٦٦] ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ
__________________
(١٨٠) في (ب) : عالم.