السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف : ٩٦]. فانظر إلى قوله : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ) ، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا) ، وهذا في القرآن كثير يدل عند أهل اللغة والمعرفة والنصفة على أنهم ممكنون مفوضون قادرون على ما أمروا به من العمل به والترك لما نهوا عنه ، وكثير مما في كتاب الله عزوجل يشهد لنا بما قلنا ، كرهنا بذكره التطويل عليك.
فميز يا بني ، علمك الله ، ما قد شرحت لك من هذا القول ، وتدبر ما حكيت لك من قول الكذابين على الله ، يبن لك الصدق ، وتعلم الحق ؛ لأنه واضح مبين لا يخفى على أهل المعرفة والعقل ؛ لأن العقل أكثر حجج الله سبحانه على عباده ، ولذلك لم يخاطب إلا ذوي الألباب والعقول ، وإياهم قصد بالأمر والفرض والنهي ، وأسقط جميع ذلك عن المجانين والصبيان الذين لا عقول لهم. فسبحان البر الرحيم بعباده ، المنصف لهم ، المتفضل عليهم بالإحسان ، الدال لهم على الإيمان ، المبتدي لهم بالنعمة قبل استحقاقها ، المعافي لهم من النقم بعد وجوبها.
واعلم ـ يا بني ـ أن جميع من قص الله عليك نبأه في كتابه من المخاطبين الأنبياء عليهمالسلام فمن دونهم مقرون بالذنوب ، معترفون بها ، مستغفرون الله سبحانه من جميع ذلك ، وفي أقل مما ذكرت أكثر الحجج ، وأبلغ الكلام ، وأجمل الموعظة ، وأحسن الهداية عند من عقل وأنصف.
حجج العقل لأهل العدل والتوحيد
ومن أكبر الحجج عليه ما يصح ويثبت عند أهل النّهى أنهم زعموا أن جميع ما في الأرض من خير أو شر الله قضاه وأراده وشاءه وقدره. وفي الأرض من يقول : إن الله ثالث ثلاثة ، وأن له سبحانه ولدا وصاحبة ؛ ومنهم من يقول : أنه لا رب ولا خالق ، وأن الأشياء لم تزل كذا : ليل ونهار ، وشمس وقمر ، وسماء وأرض ، ومطر وصحو ، وموت وحياة ؛ ومن ينكح أمه وابنته واخته وعمته ، وكل ذي رحم محرم عليه ، ويأتي كل قبيح من الفعل رديء ، ويغشى الفواحش ما ظهر منها وما بطن ؛ ويقول : إن ذلك من الله ومن