فإن قالوا : الله ؛ كان ذلك نقضا لقولهم.
ويقال لهم : فمن أعطاه علم الخديعة والمكر؟ آلله جعل ذلك في نفسه؟ أو شيء جعله هو لنفسه؟
فإن قالوا : الله جعل ذلك له ؛ كان ذلك نقضا لقولهم. وإن قالوا : إن ذلك لم يكن من الله عطاء ولا قسما ؛ فقد دخل عليهم أعظم مما هربوا منه حين زعموا أن غير الله يجعل في خلقه ما لم يرد الله أن يكون فيهم ، فما أعظم هذا من القول!!
وسلهم : من أين علم إبليس أن آدم يكون له ذرية ، وأن الموت يقضي عليهم ، وأنه يكون بينهم لله عباد مخلصون ، وأنه يحتنكهم إلا قليلا منهم؟
فإن قالوا : إن الله علمه ذلك ؛ فقد نقض ذلك قولهم. وإن قالوا : إن إبليس علمه من قبل نفسه ؛ فقد زعموا أن إبليس يعلم الغيب ، فسبحان الله العظيم.
جوابها :
وأما ما سأل عنه ، وقاله من أمر إبليس فقال : من أخطر المعصية على باله؟ ومن أوقع التكبر والمكر والخديعة في نفسه؟
فإنا نقول في ذلك : إن الله أعطى إبليس من الفهم واللب ما يقدر به على التمييز بين الأمور ، ويعرف به الخيرات من الشرور ، ويقف به على الصالح من ذلك والطالح. وإنما أعطاه الله ذلك ، وجعله وكل الخلق المتعبدين كذلك لأن يعرفوا قوله ويعرفوا ما افترض الله عليهم وعليه ، فيتبع ذلك دون غيره ، ويثابر عليه ، ويعرف ما يسخط الله فيتجنبه ويتقيه ، ويحاذر انتقامه فيه. ولو لم يعطه وغيره ذلك لم يهتدوا أبدا إلى فعل خير ولا شر ، ولا تخير طاعة ، ولا إيثار هوى ، ولا اتباع تقوى ، ولو كان الخلق كذلك لكان معنى الثواب ساقطا عنهم ، ولما جرى أبدا عقاب عليهم ، ولو لم يجر عقاب ولم ينل ثواب لم