العدل الجواد الكريم.
وأما ما سأل عنه مما التبس عليه ، وتحير فيه لقلة العلم بالله فيه ، من قوله (٢٤٩) سبحانه : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [فصلت : ٢١] ، فتوهم أن معنى : (أَنْطَقَنَا اللهُ) هو : تكلم علينا وقال ما قلنا ، وليس في ذلك كذلك ، بل هو على ما شرحناه أولا. ومعنى (أَنْطَقَنَا اللهُ) : أي جعل فينا استطاعة ننطق بها ، وأذن لنا بالنطق فنطقنا ، وشهدنا حينئذ بما علمنا. ولو كان الله الذي فعل الكلام بعينه ، وولى قوله بنفسه دون غيره ، لقالت جلودهم : نطق الله علينا فيكم ، وشهد هو لا نحن عليكم ، وتكلم علينا بما علم منكم ؛ تعالى الله عما يقول المبطلون ، ويضيف إليه الملحدون. وليس إنطاقه إياها في الآخرة إلا كإنطاقه للألسنة في الدنيا والآخرة ، وليس إنطاقه للألسنة إلا كإسماعه السمع ، فلما جعل في السمع استطاعة على أن يسمع سمع. وكذلك العين واليد والرجل ؛ والعين الله خلقها ، والنظر إلى الأشياء فعل العبد ؛ واليد الله خلقها ، والإنسان يبطش بها ؛ والرجل فالله خلقها ، والإنسان بها مشى. فمن الله سبحانه خلق الأدوات وإيجاد الآلات في الأبدان ؛ وما تفرع منها فمن أفعال الإنسان ، وذلك ولله الحمد والمن فبيّن الشأن لمن عرف الله على حقيقة العرفان.
تم جواب مسألته
المسألة السابعة : من خلق الحركات؟
ثم أتبع ذلك المسألة عن الحركات ، فقال : من خلقها؟
فإن قالوا : الله خلقها ؛ كان ذلك نقضا لقولهم ، وذلك أن كل عمل من خير أو شر ، طاعة أو معصية ، إنما يكون بالحركات. فإن قالوا : إن الله لم يخلقها ؛ فقد أشركوا بالله ،
__________________
(٢٤٩) في (أ) : قول الله.