ثم قال : إن أثبتوا أن أفعال العباد شيء ، فسلهم : من خلق ذلك الشيء؟
فنحن بحمد الله نقول ، وعليه منا المعمول : إن خالق كل شيء عامله ، وعامله ففاعله ، قال سبحانه : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) [المؤمنون : ١٤] ، فسمى العاملين خالقين ، وقال شاعر من فصحاء العرب :
ولأنت تفري ما خلقت وبع |
|
ض القوم يخلق ثم لا يفري |
يريد : أنك (٢٦٠) تتم ما دخلت فيه وصنعته ، وتكمل كل ما قمت به وعملته ، وغيرك لا يصدر إذا أورد وأنت تصدر حين تورد.
وقد يرى من يفسد ويسرق ويكذب ويفسق ، فهل يقول الحسن بن محمد في ذي الجلال خالقه إنه المتولي لذلك الفعل دون فاعله؟ فيكون قد قال بخلاف قول الله ، ورد في ذلك كله على الله حين يقول : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [الواقعة : ٦٣] ، فميز بين الحرث والزرع ، فجعل شق الأرض وحرثها وتسويتها وبذرها لهم فعلا ، وجعل إخراجه وفلق حبه وزرعه وتقويته له فعلا ، فقال سبحانه : (إِنَّ اللهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى) [الأنعام : ٩٥] ، وكذلك تقول العرب للغلام إذا أرادت له الخير والإكرام : زرعك الله زرعا حسنا ؛ تريد : بلغك وأنبتك نباتا حسنا ، قال الله سبحانه : (فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) [آل عمران : ٣٧] ، يريد أنشأها وكبرها وغذاها فأحسن بأرزاقه غذاءها.
وقد يكون من هذه الأشياء ـ التي هي أفعال ـ الزنا وشرب الخمر وارتكاب الرذائل ، فما ذا يقول الجاهلون في هذه الأشياء؟ من فعلها عندهم؟ الخالق؟ أم المخلوق؟ ومن أظهرها وأوجدها الرب؟ أم المربوب؟ فتقدس وتعالى ذو الجلال عما يقول المبطلون.
بل ، ما يقول ـ ويحه وويله من الله سبحانه وعوله ـ في هؤلاء المجوس الذين أقاموا لأنفسهم نارا وبنوا لها تعظيما وإجلالا دارا ، ليلهم ونهارهم يؤججونها ويوقدونها ، وهم في
__________________
(٢٦٠) في (ب) : أنت.