مقتدرون ، وفي ذلك ـ ولله الحمد ـ مطلقون وله مطيقون ، ولو لم يعلم أنهم كذلك ، ولا أنهم يقدرون على شيء من ذلك لما نهاهم عنه ولا حذرهم منه ؛ لأن نهي الإنسان عن الطيران مستحيل في اللغة واللسان ، وعند كل من عرف البيان.
ولقد فرق الله بين فعل عباده في ذلك وبين فعله ، وبين سبحانه لهم كل أمرهم من أمره ، فقال سبحانه : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق : ١٩] ، فأخبر أن سكرة الموت ، وورود ما ينتظر من الفوت من الله ، لا من الخلق ، فصدق الله ، إن الموت يأتي بالحق ، وينزل بما وعد من الصدق. فسمى ما كان منه حقا وحكما ، وما كان من عباده الظلمة عدوانا وظلما ، ولو كانا من الله شرعا سواء ، لذكر الله أنهما منه جميعا حقا.
وقال جل جلاله : (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [آل عمران : ١٥٧] ، ففرق بين القتل والموت ، فكان القتل من عباده فعلا ، والموت منه ـ عزوجل ـ حتما.
وقال : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) [الإسراء : ٣٣] ، فقال : (قُتِلَ مَظْلُوماً) ، فأخبر بقوله مظلوما أن له قاتلا ظلوما عنيدا ، (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤٦]. فإن كان قتل بأجله فأين الظلم ممن قد استوفى كل أمله ، وفنيت حياته ، وجاءت وفاته ، وفنيت أرزاقه ، وانقضت أرفاقه؟ فما يرى إذا ذو عقل للقاتل في مقتول فعلا ، ولا عليه تعديا ولا قتلا ، ولا جناية ولا ظلما. ولا يرى له حاكم عليه حكما أكثر من جرح إن كان جرحه ؛ أو وكز إن كان وكزه ؛ لأن قاتله ومفني أرزاقه ومبيد أيام حياته هو رب العالمين في قول الجاهلين. ولو كان ذلك كذلك لنجا القاتل من المهالك ، ولم يكن على من جرح إنسانا متعمدا (٢٦٢) جرحا فقتله أكثر من أن يجرح جرحا مثله ويخلى ، فإن مات منه مضى ، وإن برأ منه فقد سلم ونجا.
وكذلك قال الله : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) [المائدة : ٤٥] ، فما معنى قوله : (النَّفْسَ
__________________
(٢٦٢) في (ب) : متعديا.