بِالنَّفْسِ) عندهم ، وما ذا يقع عليه حقا ظنهم؟ أشيء سوى إخراج نفسه من جسده كما أتلف وأخرج نفس صاحبه بجرحه؟ ولو كان كما يقولون لكان واجبا على الحكام إذ يحكمون أن يقتصوا منه لأولياء المقتول جرحا ، وخلوا عنه بعد ذلك ، ولا يطلبون لنفسه تلفا ولا قتلا ، وإن انقطع أمله وحان أجله مات ، وإن لم يحن أجله ونجا من القتل والفوات ، فيكون قد أتوا على ما قال الله في قوله : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ). لا! بل أراد سبحانه من ولي الأمر إخراج نفسه وإتلاف روحه وقطع عمره ، ليجد غب ما اكتسب من فعله.
وقال سبحانه : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً) ، فما هذا السلطان الذي جعله الله لولي المقتول عند من قال بهذا البهتان والزور من القول المخبول؟! فلا يجدون بدا ولله الحمد من أن يقولوا إنه ما جعل الله له من القتل عليه وأطلقه له فيه بجناية يديه ، فله أن يقتله إن شاء ، وإن شاء أخذ الدية أو عفى. ثم يقال لهم : هل جعل الله له سلطانا على ما يقدر إذا شاء عليه أم على ما لا يصير أبدا إليه؟ فإن قالوا : على ما يقدر عليه ؛ فقد رجعوا عن مقالتهم ، وتابوا إلى الله من جهالتهم. وإن قالوا : على ما لا ينال ؛ أبطلوا كتاب الله ذي الجلال ونسبوه سبحانه إلى الاستهزاء وقول الزور في ذلك والردى. ثم يقال لهم : هل يقدر أحد من المخلوقين على قتل أحد من المربوبين ، وإن كان لم ينقطع أجله ، ولم يفن في ذلك أمله ، ولم يبلغ المدى الذي جعله الله مداه وصيره له أجلا وجعله منتهاه؟ فإن قالوا : يقدر على ذلك منه بما جعل الله من الاستطاعة فيه ؛ فقد تركوا قولهم ، وقالوا بالحق ، ورجعوا وقالوا على خالقهم سبحانه بالصدق. وإن هم قالوا بخلاف ذلك ، فقد أبطلوا ما جعل الله لولي المقتول من السلطان ، وأكذبوا الله فيما أنزل من البرهان. وإن قالوا : نحن نقول إن السلطان هو قتله بما قتل ، ولم يمكن الولي تركه أبدا ؛ لأنه إذا وجب عليه السلطان فقد انقطعت حياته ، وحلت وفاته ، فلم يقدر على تخلية سبيله ، ولا بد للولي من أن يقتله بقتيله. قيل لهم : فأين قول الله جل جلاله وتقدس عن أن يحويه قول أو يناله : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) [البقرة : ١٧٨] ، فما معنى (عُفِيَ)؟ وإن جحدوا القرآن وأبطلوه