كفروا ، وإن سلموا للحق ، فقالوا : يمكنه العفو والصفح وأن يتصدق بذلك ويهبه ويأخذ الدية منه (٢٦٣) ويتركه. قيل لهم : يا سبحان الله! ما أشد تناقض قولكم وأفحش ما تجيبون به من مذهبكم ورأيكم!! ألستم تقولون في أصل مقالتكم إنه لا يوقف ولا يقدر عليه ، ولا ينال منه حتى ينقطع أجله فحينئذ يقتله من أطلق له قتله ، وأنه إذا سلم إلى صاحبه فقد انقطع أجله وذهبت أيامه ، فكيف إذا يقدر ولي القتيل (٢٦٤) على تركه والعفو عنه؟ وعلى تخلية سبيله يعيش ويأكل ويظل يمشي ويقعد ويورد ويصدر ، ويقبل ويدبر ، وقد انقطع أجله وذهبت أيامه ، وفنيت أرزاقه؟ أيقدر هذا على أن يعفو والعفو يكون به للقاتل الحياة ، وتزول عنه الوفاة؟ فكيف يقدر على ذلك وقد انقطع عنه بزعمكم أجله ، وذهب عمله وفني رزقه ، وكتب الله عليه موته؟ كذب العادلون بالله ، وقالوا ظلما ، واستحقوا بذلك عند الله إثما ، وجعلوا أمور الله كلها عبثا وهزؤا.
ويقال لهم : ما تقولون في قول الله سبحانه : (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ) [البقرة : ٦١] ، فسمى الله الجليل قتلهم لكل من قتلوا من قتيل عصيانا ، وذكره منهم جورا وعدوانا ، فما قولكم في ذلك؟ وما تدينون به وتعتقدون؟ أتقولون إن قتل الفاسقين لمن قتلوا من المؤمنين كان بأمر من رب العالمين ، وقضاء منه على الكافرين؟ ولو كان ذلك كذلك لوجب لمن أنفذ قضاء ربه أجزل الثواب على فعله وأمره ؛ وقد وعدهم الله على ذلك النيران ، وألزمهم في ذلك اسم العدوان ، وهذا فأعظم الكفر بالرحمن ، وما لم يقل به عليه الشيطان. وإن قلتم : بل كان ذلك لمن فعله فعلا ، ومنهم على المؤمنين اعتداء ؛ انتقض قولكم ، ورجعتم إلى الحق في الله والصدق.
ويقال لهم : إذا زعمتم أن الأجل انقطع بأمر الله ، وأن الله جاء به ، وأن انقطاعه من عنده ، فمن جاء بالقاتل حتى قتل المقتول ، الله جاء به وقضاه عليه وأدخله فيه؟ أم إبليس أغواه وزين له قتله لديه؟ فإن زعمتم أن الله جاء بأجله وبقاتله لينفذ ذلك من علم الله فيه ؛
__________________
(٢٦٣) سقط من (أ).
(٢٦٤) في (ب) : القتل.