جوابها :
وأما ما سأل عنه الجاهلون ، وتوهم في الله المبطلون أن الله الواحد الخلاق حرم على عباده أرزاقا رزقهم إياها ، وتفضل عليهم بها ، فرزقهم رزقا وآتاهم ثم عاقبهم على ما أعطاهم ، وأنه لا يأكل أحد ولا يلبس ولا ينتفع إلا بما رزقه الله وآتاه وصيّر إليه بما قدره له وأعطاه ، فقالوا في ذلك بتجوير الرحمن ونسبوه إلى الظلم والعدوان ، فقالوا : إنه يطعم ويرزق عباده طعاما ، ثم يكتبه عليهم حراما ، فيوجب عليهم على قبول ما أعطاهم العقاب ، ويحرمهم بأخذ ما صير إليهم الثواب.
وقد وجدناه سبحانه يكذبهم في قولهم ، ويبين ذلك لنا ولهم بما قسم بين عباده من الأرزاق ، ورفق عليهم من الأرفاق (٢٧٥) ، من ذلك ما حكم به في الغنائم ، والصدقات ، وما جعل من ذلك لذوي المسكنة والفاقات ، فقال سبحانه : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ) ... الآية [التوبة : ٦٠] ، فحكم بذلك لمن سمى من أولئك ، فحرمهم ذلك الفاسقون ، وأكله دونهم الظالمون ، فشربوا به الخمور ، وركبوا به الذكور ، وأظهروا به الفجور ، وأصروا على معاصي الله إصرارا ، وجاهروا الله (٢٧٦) بالمعصية في ذلك جهارا ، فأعد الله لهم على ذلك النيران ، وحرمهم ثواب الجنان.
وكيف يقول الحسن بن محمد ذو الغفلات ، ومن تبعه من ذوي الجهالات : إن الله سبحانه رزق (٢٧٧) هؤلاء الظالمين هذا ، وقد حكم به في كتابه للفقراء والمساكين ، وقال الله سبحانه : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الأنفال : ٤١] ، فحكم بذلك لنفسه ، ولرسوله ، وقرابة نبيه ، ومن سمى من اليتامى والمساكين وابن السبيل في تنزيله ، فاستأثر به الفاسقون عليهم ، ولم
__________________
(٢٧٥) أحد معانيها : المنافع.
(٢٧٦) غير موجودة في (ب).
(٢٧٧) في (ب) : رزقه.