فسمي خاتمهم إذ كان آخرهم ، فلما أن علم الله آخر أعمالهم وما عليه يكون فناء آجالهم ، ختم بذلك عليهم ودعاهم به ، وذكره عنهم وفيهم ، فكان ذلك العمل منهم اختيارا ، وكان ما قال الله فيهم منه إخبارا.
وأما ما ذكر الله من الطبع على قلب من على قلبه طبع ، فسنقول فيه بوجه ، من قال به إن شاء الله أصاب ، ووجده بينا نيرا في اللسان والإعراب ، وهو ما تقول به العرب لمن ذكر في ملأ من الناس عن إنسان شيئا مما يفعله ويكتسبه ويصنعه من الردى والخنا : يا فلان طبعت ويحك فلانا وأفسدته وطرحته بما طبعته به من أعينهم (٢٩٦) فعلى ذلك يخرّج الطبع من الله لقلوب الفاسقين عند ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين وعباده المؤمنين ، فيكون طبعه لها عندهم هو ما ذكر وأخبر به عنها من باطن إسرارها ، وفاحش إضمارها وفسادها ، وقلة قبولها للحق واهتدائها ، وكفرها لربها وحسدها لنبيها ، وبما فيها من الدّغل (٢٩٧) والعداوة لخاتم النبيين والمشاقة لرب العالمين ، والمنافقة للمؤمنين ، والصد عن سبيل أحكم الحاكمين ، كما قال أصدق الصادقين : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ٣٢] ، فيكون ما قص عنهم من قصصهم وأخبر به من الضلالة عنهم ومن الحيرة والتكمه (٢٩٨) والجهالة والكفر والشقاق والسفالة ، وما سماهم به من ذلك ودعاهم طبعا طبعهم به. فهذه ـ والحمد لله ـ حجة فيما سأل عنه من الختم والطبع ، شافيه مجزية لمن أراد الحق من جميع الناس كافية. والحمد لله على توفيقه ، ونشكره على تسديده ، وكذلك يقول المحقون ، لا ما قال في الله المبطلون : إنه سبحانه ختم على الأسماع فلا تسمع ، وعلى الأبصار فلا تنفع ، وأنه على قلوب الكافرين طبع ، ثم أمرهم بخلاف ما فعل بهم ، وكلفهم فعل ما منه منعهم ، وعنه سبحانه حجزهم ، ثم عذبهم على ترك ما لا
__________________
(٢٩٦) عبارة (ب) : طبعت ويحك عندهم وأفسدته وطرحته بما طبعته به من أعينهم.
(٢٩٧) الدغل : دخل في الأمر مفسد. تمت قاموس.
(٢٩٨) قال في القاموس : والكامه من يركب رأسه ، لا يدري أين توجه كالمتكمه.