ضلالهم ، وارتكبوا من أعمالهم ، فأعقبهم كثرة ضلالهم وعظيم اجترائهم على قول الزور والبهتان ، وارتكاب الضلال والعصيان تماديا في ذلك حتى مردوا على الكذب والفساد والنفاق ، وقول المحال والإلحاد ، فيجوز أن يقال : أعقبهم الله نفاقا ، إذ تركهم من التوفيق والتسديد (٣٠٥) والتحقيق ، حتى غلب عليهم الهوى ، ورفضوا الخير والهدى ، واستعملوا بينهم النفاق في كل أمرهم ، فعادوا منافقين وللرشد تاركين ، ينافق بعضهم بعضا ، ويفرضه في الغيب له فرضا.
وقد يكون الذي أعقبهم في قلوبهم النفاق هو فعلهم وكذبهم وغدرهم في موعدهم الذي أوجبوه لخالقهم ، وذلك أن الكذب والردى يجر بعضه بعضا ، فلما أن كذبوا فيما قالوا ووعدوا خالقهم من أنفسهم فأخلفوا ، كانوا لغيره فيما يعدون أخلف ، ولسواه سبحانه أكذب ، فكاذبوا بيناتهم وأبطلوا بالزور قالاتهم ، فدعت حالة حالة ، حتى تكمهوا في الغي والضلالة ، ودعا ما كان منهم أولا من الكذب والإخلاف إلى قلة الصدق والإنصاف ، فحل بينهم التضاغن وذهب عنهم الائتلاف ، فعاد كل منافق في قوله غير صادق. فكان الذي أعقبهم النفاق آخرا هو فعلهم للكذب والإخلاف أولا ، فجر فعل الصغائر (٣٠٦) إلى ارتكاب موبقات الكبائر حتى صار ذلك لهم عادات ، وكان لهم وعليهم علامات يعرفون بها دون غيرهم ودلالات. فهذا أيضا معنى يصح في اللسان ، ويعرفه من كان ذا بيان ، والحمد لله ذي الجلال والبرهان والجبروت والسلطان.
وأما ما سأل عنه من معنى قول الله سبحانه : (إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) : فقد يمكن أن يكون المعنيّ باللقاء هو الله الرحمن الأعلى ، يريد بقوله : (يَلْقَوْنَهُ) : أي يلقون حكمه ويعاينونه.
وقد يكون الذي يلقونه (٣٠٧) ما تقدم من عملهم ومضى ، فيعاينونه في الآخرة يوم الحساب ، ويجدونه عند الله مثبتا في الكتاب ، كما قال سبحانه : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما
__________________
(٣٠٥) في (ب) : والرشد.
(٣٠٦) في (أ) : الضغائن.
(٣٠٧) في (ب) : يلقاه.