جوابها :
وأما ما سأل عنه مما التبس عليه ، فتعسف بقول الزور فيه ، فقال : أخبرونا وبما عندكم نبئونا عن قول الله سبحانه : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأنعام : ١١٠] ، وفيما صنع الله بالعباد ، تقولون : هل يعذبهم على ما فيه أدخلهم ، وعليه جبرهم؟
فلعمري ، لقد تقدم في ذلك الجواب ، وقلنا فيه إن شاء الله بالصواب ، ولا بد أن نقول فيما سأل عنه في هذا الجواب ، نأتي على شرحه إن شاء الله بشرح شاف فنقول :
إن معنى قوله سبحانه : (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) : هو تركه (لهم من) (٣١٠) توفيقه وتسديده وعونه ولطفه وتأييده ، لما خرجوا من طاعته وارتكبوا بطغيانهم من معصيته ، فولى بعضهم بعضا ، ولم يقم لهم سبحانه أمرا ، كما قال سبحانه : (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الأنعام : ١٢٩] ، فلم يبرأ سبحانه منهم ويكلهم إلى أنفسهم جل وعظم شأنه إلا من بعد أن تولوا وكفروا وتعدوا واستوجبوا منه الخذلان بما تمادوا فيه من الطغيان ، كما يستوجب الرشد والتوفيق بالطاعة منه المؤمنون ويستأهل بالاهتداء منه والزيادة في الهدى المهتدون ، كما قال أحكم الحاكمين ، وأصدق القائلين : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد : ١٧] ، فأخبرنا سبحانه أنه ولي المتقين ، مجانب خاذل للفاسقين ، وكذلك قال سبحانه رب العالمين : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١] ، يريد سبحانه أنه ولي الذين آمنوا والمتولي في كل الأسباب لهم ، وأنه الخاذل للكافرين والتارك لتأييدهم ، الرافض لتوفيقهم وتسديدهم. ألا ترى كيف يقول ويخبر بتأييده وصنعه ، وتسديده ولطفه للمؤمنين ، وتخليته بين المؤمنين والكافرين ، وممن أطغاهم من الطاغوت والطواغيت ، فهم الذين أجابوهم إلى دعائهم واتبعوهم في أهوائهم من مستجيبي الشيطان ، وأبالسة الإنس الملاعين ، الذين أطغوهم واستهووهم في الردى والطغيان ، ومنوهم مع الإقامة على ذلك من الله الغفران ،
__________________
(٣١٠) سقطت من (أ ، ج).