قال الله سبحانه : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) [البقرة : ٢٥٧].
وأما ما قال وعنه سأل فقال : هل يعذب الله أحدا على فعله به؟ أم يقدر الخلق على الخروج مما أدخلهم جل جلاله فيه؟
فقولنا في ذلك على الله بما تقدم من شرحنا له ، من أن الله جلا جلاله أعز وأكرم وأرأف وأرحم وأحلم من أن يدخل عباده في سبب من الأسباب أراده ، ثم يعذبهم عليه ويعاقبهم فيه ، إن هذا إلا جور من الفعل ، وإنه من فاعله لأجهل الجهل. فلو كانت أفعاله لا تتم إلا بأفعالهم لكانت حاله في العجز كحالهم ، ولكان مضطرا إلى خلقهم وإيجادهم ، إذ لا يتم له فعل إلا بأعمالهم ، فلقد آتاهم إذا نظرا منه لنفسه لا لهم ، وضرورة الخالق إلى الخلق في فعله كضرورة الخلق إلى الخالق في أمره ، فكلّ إلى غيره محتاج. وذلك فبيّن على قياسهم في المنهاج ، ولو اشتبهت الحالات لاشتبهت بلا شك الذات ، فسبحان من بان عن خلقه فليس له حد ينال ، ولا مثل يضرب له به الأمثال ، الذي بان من كل فعل فعله ، وجل عن كل قول قوله.
وأما ما قال من قوله : هل يقدر الخلق على أن يخرجوا مما أدخلهم الله فيه وصنعه بهم؟ فإن إدخال الله وصنعه بالعباد يكون على معنيين كليهما متضادين :
أحدهما : إدخال حكم وأمر وافتراض منه ، معه تمكين واختيار ، لم يرد الله أن يدخلهم فيه جبرا ، بل أراد أن يدخلوا اختيارا بما ركب فيهم وأعطاهم من الآلات والاستطاعات ليكمل لهم الثواب على الطاعات ، ولو أدخل قوما في الطاعة ، وأدخل آخرين في المعصية ثم أثاب وعاقب لكان على غير (٣١١) فعلهم عاقب وأثاب ، جل الله عن ذلك رب الأرباب ، فهم قادرون على الخروج من هذا الفعل على ما ذكرنا من تمكين الله الواحد الأعلى.
وأما المعنى الثاني (٣١٢) الذي أدخلهم فيه وصنعه بهم : فهو ما خلقهم عليه وصورهم من
__________________
(٣١١) في (ب) : غيره.
(٣١٢) في (ب) : الآخر.