الخلقة ، وقومهم عليه من الفطرة من الأجسام والعروق والعصب والعظام والأسماع والأبصار ، وما عليه الجن من السرعة والذهاب في الهواء ، وما خلق عليه الآدميين من الثقل والخفاء ، فلا يقدر جني يزيح ما فيه من الخفة فيثقل ، ولا آدمي عن الثقل إلى الخفة يرحل ، وكذلك لا يقدرون على الخروج من سواد إلى بياض ، ولا من بياض إلى سواد ، ولا من قصر إلى طول ، ولا من طول إلى قصر. فهذا ما لا يقدر عليه الخلق ولا ينالونه ، وذلك أن الله خلقهم وجبلهم عليه ، فلم يزدادوا من محبوبه ، ولم ينقصوا من مكروهه.
تم جواب مسألته
المسألة السادسة عشرة : معنى قول الله تعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ)
ثم أتبع ذلك الحسن بن محمد المسألة عن قوله الله سبحانه : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ) [الأنفال : ٧] ، أليس إنما يريد العير والغنيمة أو المشركين ، وغلبتهم النصر؟ فإن قالوا : نعم. فقل : هل كانوا يقدرون على أن لا يقاتلوا ولا يخرجوا إلى القتال؟ فإن قالوا : نعم ؛ فقد زعموا أنهم كانوا يقدرون على أن يخلف الله وعده الذي وعده رسوله ، وهذا قول عظيم يدخلهم في أعظم مما كرهوا. (وإن زعموا أنهم لم يكونوا يقدرون على أن يخرجوا للقتال ، لا المؤمنون ولا الكافرون ؛ أقروا بما كرهوا) (٣١٣) ، فإن الله قد أراد أن يقاتل المؤمنون الكافرين ، وأن يقاتل الكافرون المؤمنين ، وأن الفريقين لم يكونوا يستطيعون التخلف ولا الترك للقتال حتى ينجز الله وعده ، ويعز المؤمنين ، ويذل الكافرين ، ويوهن كيدهم ، وكذلك أراد بالفريقين جميعا ، وقد كان فيما صنع الله بالفريقين يوم بدر بينة لنبيه وبرهان ، وذلك أن الله سبحانه لم يكل المؤمنين إلى ما زعم الجهال المكذبون أن الله جعل في العباد استطاعة ثم وكلهم إليها ، فلم يرض حتى أيّدهم بنصره وأمدهم بملائكته ثم آجرهم على صبرهم على البأس ، وهو صبّرهم ؛ وآجرهم على الثبات ، وهو ثبتهم ؛
__________________
(٣١٣) ساقط من (ب).