بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [الفتح : ٢٦] ، فألف الله على ذلك بين المؤمنين ، لا كما ظن الحسن بن محمد وأصحابه أهل العمى والقول بالرديء : أن التأليف من الله كان بين الكافرين والمؤمنين في القتال ، وأنه ساق بعضهم إلى بعض جبرا حتى ألف بينهم للقتال ، وهذا فأحول المحال ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ألا ترون كيف قال : (أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) ، و (أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) ، فرد اسم المضمر في الهاء والميم من (قلوبهم) على الاسم الظاهر من (المؤمنين)؟ فسبحان أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين.
وأما ما سأل عنه من قول الله تبارك وتعالى : (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) [الأنفال : ٧] ، وقال : لو لم يخرج المشركون ، أليس كان يبطل وعد الله لنبيه وللمؤمنين؟
فقولنا في ذلك : أن الله سبحانه وعد نبيه كما قال إحدى الطائفتين : طائفة العير وطائفة الجيش المستعير ؛ وأن الله لم يجبر الفاسقين على الخروج إلى قتال المؤمنين ، بل عن ذلك نهاهم ، وإلى طاعته وطاعة رسوله دعاهم ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) [الأنفال : ٢٠] ، ويقول : لو أطاعوا الله فيما أمرهم لم يخرجوا لمحاربة الحق ولم ينصبوا.
فأما ما قال من أن ذلك لو كان لبطل (٣٢١) وعد الله أهل الإيمان ، الذي وعدهم من الغنيمة والإحسان ، فليس ذلك كما قال أهل الجهالة والعمى والضلال ، ولكن الله سبحانه علم أنهم سيخرجون ، وعلى الحق والمحقين سيبغون ، فلما أن علم ما يكون من اختيارهم ، حكم بما علم منهم عليهم ، وبشّر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بما سيسوق من الغنيمة والنصر إليه. ولو علم منهم اختيار المقام لما وعد غنائمهم نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلما أن خرجوا وعلى الله ورسوله أجلبوا خذلهم سبحانه وأخزاهم وأذلهم وأرداهم ، وألقى الرعب في قلوبهم كما قال سبحانه : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) [آل عمران : ١٥١] ، فأرادهم ونصر المؤمنين ،
__________________
(٣٢١) في (ب) : يبطل.