وأعز بتأييده الدين ، وكبت الكافرين ، فأبادهم بالسيف قتلا ، وشتت أمرهم وجمعهم هزيمة وأسرا ، وأنزل الملائكة المقربين مددا للمؤمنين ، وإعزازا للحق والمحقين ، فزادهم قوة إلى قوتهم المركبة الثابتة فيهم.
وأما ما سأل عنه وقال وتوهم من المحال في قول الله تبارك وتعالى : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) ، وذلك الغم هو غمهم (يوم حنين) (٣٢٢) حين أدال المشركين على النبي والمؤمنين ؛ فغلط وأخطأ في ذلك ، ولم يكن ولله الحمد كذلك ، ولم يدل الله الكافرين على المؤمنين ؛ لأن الإدالة هي معونة وتأييد ونصر وتسديد ، ولم يقل مؤمن بالله : إن الله نصر في ذلك اليوم أعداءه على أوليائه ، ولا نصر جيش أبي سفيان اللعين (٣٢٣) على جيش رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. ولكن الله أراد بالمؤمنين المحنة والبلاء حتى يعلم الله أهل الصبر والاحتساب والتقى ، ألا تسمع كيف قال الله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) [محمد : ٣١]. فنصرهم في أول الأمر وأراهم ما يحبون ، فخالفوا نبيه وعصوه في تنحيهم عن باب الشعب الذي أوقفهم عليه ، وأمرهم أن يرموا من صار من المشركين إليه ، فلما رأوا الهزيمة على المشركين قد أقبلت ، وتيقنوا أنها بهم قد حلت ، طمعوا فيما يطمع فيه مثلهم من الغنائم ، ورجوا أن يكون شدهم على الكفار مع أصحابهم أصلح ، وفي الأمر الذي يراودون أنجح ؛ فزلّوا وعصوا الرسول فيما أمرهم من الثبوت على باب الشعب ، وكان ثباتهم عليه على المشركين أصعب. فلما أن تنحوا أمكن للكافرين ما أرادوا ، فظفروا من المسلمين ببعض ما أحبوا ، ثم لاقوا من بعد ذلك من نصر الله للحق ما كرهوا ، فثبت الله من بعد ذلك المؤمنين ، وغفر لأهل الخطيئة المذنبين ، وأنزل عليهم السكينة ، وغشاهم النعاس أمنة منه ، كما قال الله سبحانه : (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) ، قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله
__________________
(٣٢٢) سقطت من (ب).
(٣٢٣) سقطت من (ب).