وسلم : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) ، ثم قال سبحانه لنبيه (٣٢٤) : (يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ) ، ثم أخبر عما أخفوا ، وما من المنكر أجنوا ، فقال : (يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا).
وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين أتته قريش ، ونزلوا بأحد شاور أصحابه فأشاروا عليه بأن يثبت في المدينة ، فإن أقاموا أضر بهم المقام حتى ينصرفوا ، وإن صاروا إلى المدينة فدخلوا ، قاتلهم بها الصغير والكبير والنساء من فوق البيوت. فأراد ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثم أشاروا عليه من بعد بالخروج إليهم ، فنهض فلبس لامته (٣٢٥) ، ثم خرج عليهم ، فقالوا : يا رسول الله ، قد رأينا رأيا ، إنا لم نقاتل ببلدنا وبين دورنا أحدا إلا أظهرنا الله عليه وبلغنا فيه ما نريد ، فأقم بنا مكاننا على رأينا الأول. فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كان هذا أولا ، إنه ليس لنبي إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يقاتل عدوه.». فخرج وخرج معه ألف من الناس ، فلما فصل من المدينة رجع عنه عبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين ، في ثلاثمائة من الفاسقين ، ومضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حتى لقي القوم ، فكان من أمرهم ما ذكرنا ، ومن حالهم ما شرحنا ، فذلك قولهم : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا) ، يقولون : لو أطاعنا أو كان الرأي إلينا لكنا قد ثبتنا في بلدنا حتى يدخلوا علينا فنقاتلهم أو يرجعوا عنا فنتبعهم ، فقال سبحانه : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) ، أي الأمر أمر نبيه الذي افترض عليكم طاعته ، فليس لأحد منكم سبيل إلى مخالفته إلا بالكفر والعصيان للواحد العزيز الرحمن ، ثم أعلاهم من بعد تلك السقطة ، وأنزل عليهم الأمنة ، ورد إليهم النصر ، وشد لهم ما أضعفوه من الأمر ، وصرف عنهم أعداءهم لأن يدركوا كل ما طلبوا أو طمعوا به فيهم من القوة والظهور عليهم.
وأما ما ضل فيه من قوله : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى
__________________
(٣٢٤) سقطت من (ب).
(٣٢٥) درعه ، وجمعها : لام ولؤم بفتح الهمزة.