العباد ، المتعالي عن اتخاذ الصواحب والأولاد ، المتقدس عن الإذن بالفساد.
فليعلم من سمع قولنا من العالم أن الإذن من الله على معنيين :
فأما أحدهما : فإذن أمر وإرادة وحكم ومشيئة ، وذلك قوله سبحانه : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم : ٧] ، فهذا معناه معنى حكم بالزيادة للشاكرين ، وبالعذاب للكافرين ، وكذلك قوله : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج : ٣٩].
وأما المعنى الآخر : فإذن تخلية وإمهال للعصاة فيما يكون منهم من العصيان ، فعلى ذلك يخرج معنى قول الله سبحانه : (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ) يعني تعالى بتخلية الله لهم ، وكذلك قال سبحانه في هاروت وماروت ، ومن يتعلم منهما : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ١٠٢] ، يريد سبحانه بتخلية الله لهم لإثبات الحجة عليهم ، إذ قد مكنهم من العمل والفعل ، ثم أمرهم بتقواهم وبصرهم عنهم وهداهم ، وعن تعليم السحر وتعلمه نهاهم ، فإن ائتمروا ، وتعليم السحر وتعلمه تركوا ، أنيلوا الثواب ، وإن أبوا ، وما نهوا عنه تخيروا ، أوجب عليهم بفعلهم العقاب ، وحرموا بذلك من الله الثواب.
تم جواب مسألته
المسألة الثامنة عشرة : تزيين الله لعباده
ثم أتبع ذلك المسألة عن التزيين ، فقال : خبرونا عن التزيين بالإرادة دون الأمر ، فإن أنكروا أن الله يزين لعباده دون أن يكون أمرا منه ، فقد رد الله عليهم قولهم ، فقال في الأنعام : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) [الأنعام : ١٠٨] ، وقال في آخر السجدة : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) [فصلت : ٢٥] ، وقال في النمل : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) [النمل : ٤] ، هذا كله تزيين إرادة؟ أو ليس إرادة؟
تمت مسألته