جوابها :
وأما ما سأل عنه وقال ، وتوهم من زور المحال ، من أن الله تباركت أسماؤه ، وعزت بكريم ولايته أولياؤه ، زين للكافرين أعمالهم تزيينا ، وحسنها في قلوبهم تحسينا ، وأنه أراد بذلك منهم إقامتهم فيها ، ومثابرتهم عليها ، جل الله عن ذلك وتقدس عن أن يكون كذلك ، واحتج في مقاله ، وفيما ارتكب من ضلاله بقول الله سبحانه : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) ، فصدق الله تبارك وتعالى فيما قال ، وتقدس ذو الجبروت والجلال.
فأما قوله تبارك وتعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، فإن هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام المخزومي لعنه الله ؛ وذلك أنه لقي أبا طالب عم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : يا أبا طالب إن ابن أخيك يشتم آلهتنا ، ويقع في أدياننا. واللات والعزى لئن لم يكف عن شتمه آلهتنا لنشتمن إلهه. فأنزل الله في ذلك ما ذكر في أول هذه الآية ، تأديبا للمؤمنين ، فأمرهم بالكف عن شتم أصنام المشركين لكيلا يجترئوا بغير علم على شتم رب العالمين.
وأما ما احتج به الحسن بن محمد في الآيات المنزلات آية النمل ، وآية الأنعام ، وآية حم السجدة ، وما ذكر فيهن ذو الجلال والإكرام من قوله : (زَيَّنَّا) ، و (قَيَّضْنا) ، فإن ذلك من الله هو الإمهال ، وترك المغافصة لهم بقطع الآجال ، وما كان في ذلك منه لأهل الجهل من التبري منهم والخذل منه سبحانه لمن عشا عن ذكر ربه منهم. فلما أن أمهلوا ، وعلى ما هم عليه من الشرك والكفر تركوا ، وبالعقوبات لم يعاجلوا ، وأملى لهم ليرجعوا ، فتمادوا ، ولم ينيبوا ، ورأوا من إمهال الله وتأخيره لهم ، وصرف ما عاجل به غيرهم من القرون الماضية والأمم الخالية من ثمود وعاد وفرعون ذي الأوتاد ، وقوم نوح ، وقوم لوط ، وأصحاب الرس ، والأيكة ، وقوم تبع ، والمؤتفكة ، وغير ذلك من القرون المهلكة ؛ فزادهم تأخير ذلك عنهم ـ اجتراء وتكذيبا ، ومجانة وافتراء وترتيبا بصرف ذلك عنهم ـ ما هم عليه من أعمالهم وفاحش قولهم وأفعالهم. فكان إملاء الله لهم ، وتركهم ليرجعوا أو لتثبت الحجة عليهم ، وتنقطع المعذرة إليهم ، هو الذي أطعمهم وزين عملهم