والخشب والمدر لم يبنوا بيوتا يسكنونها ولا دورا يأوونها. وكذلك السرابيل التي تقي الحر وقت الحر ، وتقي القر وقت القر ، وكذلك السرابيل اللباس التي تقي وتحرس من البأس ، فالله عزوجل أوجد حديدها ودلّهم على عملها ، وهم يتولون (٣٤١) فعلها وسردها (٣٤٢) وتأليفها ونسجها.
وأما ما ذكر من قول الله جل ثناؤه : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً) ، فكذلك فعل عزوجل ، فهو المتولي لذلك ، لم يفعله غيره ، وهو جاعله ، فجعل من الأكنان وقاء أوفى من البنيان ؛ وجعل من الظلال لما خلق من الأشجار وغيرها من الجبال ما تبين فيه القدرة والمنة لذي الجلال. فما كان من فعل العباد فخلاف أفعال ذي المنة والأياد ؛ وما كان من فعل الرحمن فخلاف فعل الإنسان ، لا كما يقول المتكمهون الجهال : الله سبحانه والعبيد سواء في الأفعال ، كذب المبطلون.
تم جواب مسألته
المسألة العشرون : معنى إغراء الله تعالى بين خلقه في قوله تعالى : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ)
ثم أتبع ذلك الحسن بن محمد المسألة ، فقال : خبرونا عن الإغراء بالإرادة دون الأمر ، فإن الله يقول : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [المائدة : ١٤] ، فسلهم : هل كان هؤلاء يستطيعون أن يخرجوا مما صنع الله بهم ، وأن يتركوا العداوة بينهم؟ فإن قالوا : نعم ، كذبوا كتاب الله ؛ وإن قالوا : لا ؛ كان ذلك نقضا لقولهم.
__________________
(٣٤١) في (ب) : تولوا.
(٣٤٢) في (ب) : وسمرها. والسرد بالنسبة للدرع : هو النسج ، وللجلد : الخرز ، والأشياء عموما : الصنعة الداخلة عليها.