المسألة الخامسة والعشرون : معنى إلقاء الرعب وقذفه
ثم أتبع ذلك المسألة عن قول الله سبحانه : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) [آل عمران : ١٥١] ، وقال في سورة الحشر : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) [الحشر : ٢] ، وقال : (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) [الأحزاب : ٢٦] ، فأخبرونا عن الرعب الذي قذف الله في قلوب الكافرين ، هل كانوا يستطيعون أن يمتنعوا منه ، وأن يصرفوه عن قلوبهم؟ فإن قالوا : لا ، كان ذلك نقضا لقولهم. وإن قالوا : نعم ، فقد كذبوا كتاب الله ، وزعموا أن العباد يمتنعون من الله. وإن قالوا : إنما صنع الله ذلك بهم بكفرهم. فقل : ألستم تعلمون أن الرعب شيء لطيف لا يراه الناس ، ولا يردونه ، ولا يمتنعون منه حين يدخل في قلوبهم ، فيوهن الله بذلك كيدهم ، وينقض قولهم؟ فإن قالوا : نعم. فقل : وكذلك أيضا التوفيق ، شيء لطيف لا يراه العباد ، يلقيه الله في قلوب المؤمنين ، وأمور الله كلها كذلك ، من أراد به خيرا وفقه وسدده وأرشده ، وكان ذلك عونا من الله لهم ، ومن أراد به سوءا ثبطه وعوقه وخذله وتركه وهواه ، ووكله إلى نفسه ؛ فوكله إلى الضعف والهوان ، والله غالب على أمره.
تمت مسألته
جوابها :]
وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) ، فإنا نقول : إن الرعب إنما ألقاه الله جل ثناؤه في قلوبهم نكالا وانتقاما منهم على كفرهم وإشراكهم ، ألا تسمع كيف فسر آخر الآية أولها ، فقال : (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ) ، فكذلك الله سبحانه انتقم منهم بما أشركوا وكفروا وخذلهم وتركهم من التسديد والتوفيق ، فهلكوا وتلاشوا ؛ وعندوا فضلوا ، وهانوا فتفرقوا ، إذ وكلهم إلى الضعف من أنفسهم ، وإلى حولهم وقوّتهم ؛ فهانوا ورعبوا من القتال ولقاء