المؤمنين في تلك الحال ، فكان تركهم لهم بما قدموا من شركهم رعبا داخلا في قلوبهم مخامرا لصدورهم.
وأما ما ذكر من قول الله سبحانه في بني النضير من اليهود : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) ، فكذلك فعل الله بهم ، وذلك أنهم كانوا قد هادنوا الرسول عليهالسلام ، وخضعوا لأهل دعوة الإيمان والإسلام ، حتى كان يوم الأحزاب فجاءت قريش ومن تحزب معها من العرب من اليمن ومضر ، وأمدهم في ذلك يهود خيبر يقاتلون الرسول والمؤمنين مع أعداء الله الفاسقين ، فلما أتى يهود خيبر أرسلوا إلى يهود بني النضير فوعدوهم أن يقاتلوا الرسول من ورائه إذا حميت الحرب بينه وبينهم ، فنزلت بنو عامر أحد من فوق المؤمنين ، ونزلت قريش بطن الوادي من أسفل منهم ، وكانت اليهود ـ يهود خيبر ـ قبل المسلمين مما يلي الحرة ، وبنو النضير من وراء الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وفي ذلك ما يقول الله عزوجل : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) [الأحزاب : ١٠] ، فكان فيمن نزل أحد من العرب رجل أشجعي يحب الإيمان ويبغض أهل العدوان ، فأفسد بين المشركين طرا ، وذلك أنه أتى قريشا فقال لها : إن العرب قد ظاهرت محمدا عليكم ، ووعدته المحاربة معه لكم ، وآية ذلك أنهم لن يبدءوه بالمحاربة ، فخذوا حذركم ولا تبدءوه حتى يقاتلوه قبلكم. ثم أتى أصحابه وبني عمه وجماعة العرب ، فقال : إن قريشا قد عاقدت محمدا عليكم ، وعلامة ذلك أنهم لن يبدءوه بالمحاربة قبلكم فاعملوا لأنفسكم ودبروا أموركم ، ولا تقاتلوا حتى ترسلوا إليهم فيقاتلوا قبلكم ، فإن فعلوا وإلا فاحذروا مكرهم والحقوا وشيكا ببلدكم. ثم أتى يهود خيبر ، فقال : إن قريشا قد عاقدت محمدا عليكم ، وآية ذلك أنها لا تبدأه (٣٥٧) بالمحاربة قبلكم ، وأتى قريشا ، فقال لها : إن اليهود قد ظاهرت محمدا عليكم ،
__________________
(٣٥٧) في (ب) : تبدءوه.