جوابها :
وأما ما سأل عنه ، وتوهم أنه قد تعلق في شيء منه بحجة له من قول الله : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) ، فقال : إن الله عزوجل قد صنفهم صنفين وخلقهم خلقين ، فجعل منهم هلعين جزعين (٣٧٠) ، وآخرين صابرين ، ثم قال : هل يقدر من خلقه الله هلوعا جزوعا منوعا أن يكون محسنا قويا صبورا؟ فقولنا في ذلك إن شاء الله بما هو الحق لا قول غيرنا.
فنقول : إن الله جل ثناؤه لم يخبر عن فعله ، ولا أنه خلق هلعهم ، ولا جعل في ذي الصبر والإحسان صبرهم ، وإنما أخبر سبحانه عن ضعف بنية الإنسان ، وأنه لا يحتمل ما اشتد وصعب من الشأن ، فدل بذلك من ضعف بنية الآدميين ، ومن قوة غيرهم من المخلوقين واختلاف طبائع المربوبين من الجان والملائكة المقربين على قدرة رب العالمين ، وخالق السماوات والأرضين ، وأخبر سبحانه أنه خلق خلقه أطوارا مختلفة ، وجعل البنية فيهم غير مؤتلفة ، فكلف كل صنف منهم دون ما يطيقه أضعفهم ، فكلف الملائكة المقربين ما لم يكلف الجان أجمعين ، (وكلف الإنسان دون) (٣٧١) ما يطيق من الشأن. فكانت بنية الملائكة وطاقتهم خلاف بنية الجان وحالتهم ، وكانت بنية الجان واقتدارهم خلاف بنية الإنس واستطاعتهم ، وكذلك افتراق كل ما خلق رب العالمين ، فكل ما خلقه فهو على تركيب رب العالمين ليس فيه تفاوت ، كما قال تبارك وتعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك : ٣ ـ ٤] ، وكذلك كل شيء خلقه سبحانه من الأشياء ، وذلك كله فدليل على قدرة الرب الأعلى ، وخالق الأرضين والسماوات العلى. فأخبر الله سبحانه عن
__________________
(٣٧٠) سقطت من (ب).
(٣٧١) سقط من (ب).