ولو جاز أن ينهاهم عن فعل ما فعله فيهم لكانوا مقتدرين على أن يفعلوا كفعله ، إذا لخلقوا كخلقه ، ولو خلقوا كخلقه لامتنعوا بلا شك مما يكرهون من أفعاله ، من موتهم وابتلائه إياهم بما يبتليهم به ، وليزيدوا (٣٧٤) فيما آتاهم مما يحبونه ، فتعالى من هو على خلاف ذلك ، والمتقدس عن أن يكون كذلك.
وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) ، فقال : هل كان هؤلاء يقدرون على أن يقبلوا الهدى؟ أو أن يسمعوا ما يدلون عليه منه؟ فصدق الله سبحانه : (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) [الأنفال : ٢٢] ، يقول : الذين لا يهتدون إن هدوا ، ولا يقبلون الحق إن دعوا ، ولا ينتهون إذا نهوا ، فضرب الله لهم ذلك مثلا إذ كانوا في الضلال على هذه الحال ، وهم في ذلك لقبول الحق مطيعون ، وعلى اتباع الصدق مقتدرون ، فلما أن تركوا ذلك شبههم بالصم البكم الذين لا يعقلون إذ تركوا فعل ما كانوا يطيقون.
تم جواب مسألته
المسألة الثلاثون : معنى قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ)
ثم أتبع ذلك المسألة عما ضرب الله عزوجل للمنافقين من المثل في قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [البقرة : ١٨] ، فنقول : ألا يرن أن الله هو الذي ذهب بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون؟ فأخبرونا هل كان هؤلاء يستطيعون سماع الهدى ، وقد وصفهم الله سبحانه بالصمم؟ وهل كان لهم أن يقبلوا الهدى وقد وصفهم الله سبحانه بالعمى؟ وهل كانوا ينتفعون بنور الهدى ، وقد ذهب الله به؟ فإن قالوا : نعم ؛ فقد كذبوا بكتاب الله وجحدوا بآياته. وإن قالوا : لا ؛ كان ذلك نقضا لقولهم.
__________________
(٣٧٤) هكذا في الأصل.