كثيرة ، فخص الله من يشاء من خلقه من الأنبياء والمؤمنين : ألا ترى أن الله عزوجل لم يكلهم إلى ما زعمتم أنه جعل فيهم من الاستطاعة؟ وهي الحجة زعمتم على جميع خلقه ، حتى جاءهم سوى ذلك من أمره ، فأيدهم به ، فظهروا بتأييده ، ورعب عدوهم ، فغلبوا برعبه ، ونصرهم فقهروا بنصره ، ثم قال فيما منّ به على المؤمنين ، ويعلمهم ما صنع بهم مما لم يصنعه بغيرهم ، فقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) [الفتح : ٤] ، وقال أيضا : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) [الفتح : ٢٦] ، فلم يرض لهم ما زعمتم بما جعل من الاستطاعة حتى جاءهم من أمره وعونه سوى ذلك ، وقوله لرسوله : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً) [الإسراء : ٧٤ ـ ٧٥] ، وقوله لأصحاب الكهف : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً) [الكهف : ١٤] ، فلم يرض لهؤلاء ما جعل فيهم من الاستطاعة التي زعمتم أنها حجة على خلقه ، وأنه يحتج عليهم بما أخذوا أمره وركبوا معصيته حتى أتاهم من أمره ما بلغوا به ما يشاء من رحمته وهداه. وكذلك هو يفعل ما يشاء سبحانه وبحمده ، يضل من يشاء ، ولا يسأل عما يفعل والخلق يسألون.
المسألة الأربعون : هل خلق الله أفعال العباد؟
وإن قالوا : أخبرونا عن الأعمال ، أمخلوقة هي أم غير مخلوقة؟ فأنتم تزعمون أن الله خلقها؟ فإن قالوا : كيف نسبها الله إلى خلقه ، وجعلهم الذين عملوا وتكلموا؟ فقولوا : ألا ترون أن الله عزوجل قد قال : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً) ، وقال : (وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [النحل : ٨٠] ، وأنتم تعلمون أن الناس هم الذين غزلوا ونسجوا السرابيل ، وعملوا الدروع ، وبنوا البيوت ، واتخذوا المظال ، وقد منّ علينا به ، وأخبرنا أنه جعله ، وذلك أنه ألهمنا بمنته أن غزلنا ، وهو علمنا ذلك ، ونسجنا وعملنا ما عملنا ، وأخبرنا أنه قد جعله ؛ فكذلك خلق ما