للحركات ، الصانعين لتلك المصنوعات. كذلك الله سبحانه خلق الحجارة والطين ، والعباد بنوا الدور وشيدوا ما بنوا من القصور ، فاجتمعت في ذلك الحجارة والأكف العمالة ، والحركات التي دبرت لها الحجارات ، فكان الله جل ثناؤه خالق الأيدي والصخور ، والعباد أحدثوا الحركات وبنوا الدور. وأفعال الله سبحانه فكائنة عند ما يريدها بلا تخيّل ، ولا حركات ، ولا تأليف شيء إلى شيء بالأكف العمالات. ففي هذا أبين الفرق بين أفعال المخلوقين وبين أفعال رب العالمين ، فما كان من فعل الله فليس من أفعال العباد ، وما كان من أفعال العباد ، فليس من أفعال ذي العزة والأياد.
كذلك لو أن رجلا سرق صوفا فنسجه سربالا وثوبا ، لم يعذبه الله سبحانه على جرم الصوف ، ولا على ما قبضه به من اليد والكف ، وإنما يعذبه على أخذه وحوزه عن ربه ، واستئثاره عليه به ، وما كان من انتفاعه به ولبسه ، فعذبه سبحانه على ما كان من حركاته وفعله ، ولم يعذبه على ما خلق وصور من نفس المسروق وصورته.
وكذلك يعذب الزاني على زناه ، والزنا هو : الإيلاج والحركة ، والإخراج ، ولم يكن الزنا إلا بالفرجين والحركة ، فالفرجان فعل الله ، والحركة والزنا فعل العبد ذي الفسالة والردى. فالله عزوجل يعذبه على زناه وإدخاله وإخراجه وحركاته ، لا على ما خلقه له من الفرج. فخلق الله الآلات وما أنعم به على العبد من الأدوات لينالوا به المنافع واللذات من طريق ما أحل لهم لا من وجه ما حرم عليهم ، ثم أمرهم في ذلك باجتناب المعصية وحضهم على فعل الطاعة.
وأما ما سأل عنه وفيه قال بالمحال ، وقاس على مقاييس الضلال ، فقال : قال الله تبارك وتعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ، فقال : ألا ترون أن الله خلق الثمرة في الشجرة فأخرجها منها؟ ثم نسب الثمرة إليها فقال : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها)؟ فكذلك نقول : إن أعمال العباد الله سبحانه خلقها ، والعباد عملوها ، ثم نسبها إليهم ، وأخبر أنهم عملوها.
فقولنا في ذلك : إنه غالط في القياس ، أو أراد معنى فأخطأ في مقاله ؛ لأنه مثّل ما ليس بمأمور ولا منهي فقاس فعل العباد فيما أوجدوه بفعل الله الذي لم يفعلوه. وإنما قياس