ضلالهم وكفرانهم بالجبر والتحويل والقسر ، واحتج في ذلك بقول الله سبحانه : (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) ؛ فلا تأويل معنى الإسلام من الخلق أصاب ، ولا في معنى ما ذكر الله عزوجل من التحبيب والتكريه أجاب. وإنما معنى قول الله سبحانه : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) ، هو : المعرفة به والإقرار بربوبيته ، وأنه الخالق غير مخلوق ، والرازق غير مرزوق ، كما قال سبحانه : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) [العنكبوت : ٦١] ، فهذا معنى ما أراد الله (٤٠٣) ـ والله أعلم ـ بقوله : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) (٤٠٤) ، لأن الإسلام يخرج في اللغة على معنيين :
[فأحدهما] : الإقرار بفعل الفاعل ، والتسليم له ، وترك المكابرة له في فعله ، والمعاندة له بالإنكار لما يحدث من صنعه.
والمعنى الثاني : فهو الاستسلام لأمر الآمر ، والإنفاذ لما حكم به والانقياد لجميع ما قيد إليه ، وصرف من الأفعال فيه.
فعلى المعنى الأول يخرج تفسير الآية ، لا على المعنى الثاني ، الذي توهم الحسن بن محمد أن عليه يخرج معناها ، ولو كان ذلك كذلك ، أو قارب شيئا من ذلك لكان جميع الخلق لله مطيعين ، وفي أمره سبحانه متصرفين ، طائعين كانوا أو كارهين ، ولو كان كما يقول هو ومن معه من الجاهلين إذا لما وجد أنبياء الله لله في الأرض عاصين ، ولكان الله تبارك وتعالى بإكراهه لهم على طاعته وإدخالهم قسرا في مرضاته مجتزئا مكفيا عن نهيهم عن معصيته ، ولما احتاج الخلق إلى المرسلين ، ولما حذرهم الله ما حذر من مردة الجن والعالمين.
وأما قوله : (طَوْعاً وَكَرْهاً) ، فالمطيع منهم في ذلك هو من أطاع الحجة المركبة فيه ، والشاهدة بالحق له وعليه ، من اللب الذي ينال به التمييز بين كل شيئين ، ويثبت له به الرضى والسخط في الحالين ، فمن أنصف لبّه ، وقبل ما أدى إليه معقوله من معرفة ربه ،
__________________
(٤٠٣) سقط من (ب).
(٤٠٤) سقط من (ب).