كان منصفا طائعا ، متحريا للحق خاضعا. والمكره فهو من كفر وتعدى ، وكابر لبّه وأبى ، وعند عن الحق وأساء ، حتى أدركه البلاء ، واشتد عليه الشقاء ، ونزلت به النوازل ، واغتال لبه في ذلك الغوائل ، ورجع صاغرا إلى إنصاف لبه ، ولجأ فيما ناله إلى ربه ، واستسلم وأسلم له كما ذكر ذو الجلال ممن تعدى في الغي والمقال حين يقول ، ويخبر عنهم ويقص ما كان من أخبارهم ، حين يقول ويخبر عن فرعون حين يقول ، فقال : (حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس : ٩٠] ، ومثل قوله : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت : ٦٥] ، ومثل قوله : (وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) [الروم : ٣٣].
أما معنى تحبيب الله عزوجل إلى العباد الإيمان ، وتكريهه للكفر والفسوق والعصيان ، فهو بما جعل وحكم لمن آمن واتقى من الجنان والنعيم والجزاء والإحسان ، وبما كان يريهم ويشرعه لديهم من نصر المؤمنين ، والإظهار لحجتهم ، والإعزاز لدينهم ، والتكريه منه لما ذكر ، فهو بما أوجب على فاعل ذلك من العقوبات في الآخرة بالنيران ، وفي الدنيا بالقتل والسبي والذل والخذلان. فلما جعل ما جعل من الثواب للمؤمنين ، وما أعد وحكم بما حكم به من العقاب على الكافرين ، رغب الراغبون في الثواب ، وأوجبوا له الإيمان وآمنوا ، وهاب واتقى وخاف العقاب الخائفون ، فاتقوا وكرهوا الكفر والفسوق والعصيان لخوف العقاب فاهتدوا ، وزهد أهل الكفر في كفرهم ، لما يرون من ذلهم وصغارهم ، وظهور الحق والمحقين واعتلائهم ، فتركوا الفسوق ودخلوا في الحق ، فهذا إن شاء الله معنى ما ذكر من ذلك العلي الأعلى ، لا ما قال وذهب إليه أهل الإفك على الله ، وقالوا فيه من الجبر للمخلوقين على ما يكون من أفعالهم والإدخال لهم بالقسر في فاحش أعمالهم من (الغي) والفجور والمنكرات والشرور ، والحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، وسلام على المرسلين.
ثم قال : إن قال قائل : خبرونا عن المشركين الذين لم يسلموا ، هل جبروا على الشرك؟ قيل له : إن المشركين لم يريدوا الإسلام فيجبروا على الشرك ، وذلك لو أنهم أرادوا الإيمان وأكرهوا على الشرك ، كما أراد المشركون الشرك ورضوا به ، وأراد الله جل ثناؤه أن