يهديهم فجبرهم على الهدى وهم كارهون ، ثم قال : فإن قال قائل (٤٠٥) : فإن لم يكونوا مجبورين ولا مكرهين ، فهل يستطيعون ترك الشرك وقبول الهدى ، فقل : لا ، إلا إن شاء الله ؛ فزعم في آخر قوله أنهم لا يستطيعون ترك الشرك وقبول الهدى ، فأبطل حجته وقوله أولا حين يقول : إنهم إنما يكونوا مجبورين على الشرك لو أرادوا الهدى فمنعوا منه وأدخلوا في الردى ، فأثبت هذا القول لهم الفعل ، وأقر أنهم يقدرون على فعل ما لا يريد الرحمن حتى يجبرهم على غيره من الشأن ؛ لأن الإرادة والنية فعل لصاحبهما ، ولذلك ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أن صاحب النية يعطي ويثاب فيها وعليها. وإذا صح أن العباد يفعلون ويريدون ما لا يشاء ربهم حتى يجبرهم على غير ذلك من فعلهم ، فقد بطل ما يخرصه الحسن بن محمد من زخرف قوله ، وثبت وصح ما يقول به أهل المعرفة بالله من العدل بإقراره.
ثم زعم أن من لم يقدر على ترك الشرك والكفر بربه غير مكره ولا مجبور على ما هو فيه من فعله ، وهذا فعين المحال ، وأفحش ما يقال به من المقال ، وإبطال المعقول ، والمكابرة لصحيح العقول ؛ لأن من حيل بينه وبين القيام لسبب من الأسباب ، فقد جبر على القعود بلا شك ولا ارتياب. وكذلك من أوقدت له نار ثم ألقي فيها ، ومنع من التحرف عنها ، وحيل بينه وبين الخروج منها ، فقد جبر وجبل على الاحتراق فيها. وكذلك الطير (٤٠٦) إذا قص جناحاه الخافقان ، فقد حيل بينه وبين ما يريد من الطيران. وكذلك من لم يجعل فيه من الخلق استطاعة فعل ، فقد حيل بينه وبينه ، لا يشك في ذلك عاقلان ، ولا يختلف فيه جاهلان.
__________________
(٤٠٥) سقط من (ب).
(٤٠٦) في (ب) : الطائر.