المسألة الثانية والأربعون : هل كلف الله الملائكة؟
وأما ما سأل عنه من قوله ، وكذبه على ملائكة ربه ، فقال : خبرونا عن الاستطاعة التي تزعمون أن الله جل ثناؤه جعلها في عباده حجة عليهم ، وأنها مركبة فيهم ليعملوا أو يتركوا ، هل جعلها في الملائكة المقربين؟ أم لا؟ ثم قال : فإن قالوا : نعم قد جعلها فيهم ، وامتن بها عليهم ، فقولوا لهم : فأنتم إذا لا تدرون عن الملائكة هل بلغت؟! أم لا؟ أم هل أدت ما أمرت بأدائه؟ أم هل قصرت في شيء مما أمرت به؟ إذ تزعمون أنها قادرة على ما تهوى ، تاركة لما تشاء.
جوابها :
فقولنا في ذلك : إن الله سبحانه ركب الاستطاعة في عباده وجعلها في جميع خلقه المأمورين المميزين ، ومنهم الملائكة المقربون صلوات الله عليهم. ثم أمرهم ونهاهم من بعد أن أوجد فيهم ما أوجده سبحانه في غيرهم من الاستطاعة الكاملة ، والنعمة الشاملة ، وأمرهم ونهاهم ، ولو لا ما ركب فيهم من الاستطاعة لما جرى أمره عليهم ، من ذلك قوله : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [البقرة : ٣٤] ، فأمرهم بالسجود من أجله ، ولما رأوا ما ابتدع من جليل صنعه ، ولعظيم ما فيه من قدرته ، إذ خلقه من طين من صلصال من حمأ مسنون. والمسنون فهو ما داخله الأجون فأسن لذلك وأجن وتغير ، فصار لما فيه من الأجون حمأ ، كما ذكر الله مسنونا ، ثم صوره رجلا ، ثم نفخ فيه الروح ، فصار جسما متكلما ، لحما وعروقا وعظاما ودما ، يقبل ويدبر ، ويورد ويصدر ، بعد أن كان طينا لازبا. فسجد الملائكة ـ عليهمالسلام ـ لله المهيمن ذي الإنعام من أجل ما أحدث في آدم صلى الله عليه من الخلق وجعله أبا لكل الخلق. فكانوا بائتمارهم في ذلك لله مطيعين ، وعليه مثابين ، ولأمر الله مؤدين. ولو لم يكن فيهم استطاعة ، ولا ما يقدرون به على السجود من الآلة ، لم يأمرهم سبحانه بما لا يستطيعون ، ولم يكلفهم العدل الجواد ما لا يطيقون ؛ لأنه أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين ، وأعدل العادلين. وليس ما ذكر المبطلون ، وقال به الضالون من صفات الرحيم ، ولا من أفعال العزيز العليم ؛ لأن من أمر مأمورا بأن