يفعل مفعولا لا يقدر على فعله ، كان بلا شك ظالما له في أمره ، وكان قد كلفه في ذلك محالا ، وكان له بذلك غاشما ظالما ، وليس الله بظلام للعبيد ، كما قال في ذلك ذو الجلال الحميد : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤٦] ، وقال سبحانه : (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) [الكهف : ٤٩] ، فيا سبحان الله!! ما أجهل من نسب ورضي لربه ما لا يرضاه وما لا ينسبه إلى نفسه من تكليف العباد ما لا يطاق ، ثم رضي ذلك ونسبه إلى الواحد الخلاق ، فكان كما قال الله جل جلاله ، وتقدست أسماؤه : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) [الزخرف : ١٧] ، فأخبر سبحانه أنهم كانوا ينسبون إلى الله اتخاذ البنات ، ولا يرضون بهن لأنفسهم ، ولا يحبون الإناث ، بل إذا رزق أحدهم بما رضيه لربه بانت الكراهية منه في وجهه ؛ فشابهوهم في فعلهم ، واحتذوا في ذلك بقولهم ، فقالوا : إن الله يكلف عباده ما لا يطيقون فعله ، ويعاقبهم على ترك ما لم يقدرهم على صنعه ، وهم ينفونه عن أنفسهم ، ويبرءون منه أخس عبيدهم ، فسبحان من أمهلهم ، وتفضل بالإنظار لهم.
ثم قال : ما يدريكم أن الملائكة مستطيعون ، لما يشاءون من الأعمال متخيرون ، وعلى العمل والترك قادرون؟ لعلهم قد تركوا بعض ما به أمروا ، وقصروا في أداء بعض الوحي ، وفرطوا في نصر النبي والمؤمنين ، وفي غير ذلك مما أمرهم به رب العالمين.
فقولنا في ذلك له (٤٠٧) : إنا علمنا براءتهم صلوات الله عليهم وإنفاذهم لكل ما أمرهم به ربهم على ما أمرهم به ، غير مفرطين في شيء منه ؛ لقوله فيهم سبحانه ، وثنائه بما أنثى عليهم من ترك التفريط في أمره والاستقصاء في كل إرادته ، والتقديس له والتسبيح الليل والنهار ، وذلك فقول الواحد الجبار : (لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ٢٠] ، وفي ترك التفريط فيما أمرهم به رب العالمين ، ما يقول سبحانه في القرآن المبين : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) [الأنعام : ٦١] ، ويقول تبارك وتعالى فيهم ،
__________________
(٤٠٧) في (ب) : فقولنا له في ذلك.